الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
2739 - وعن جابر بن عبد الله أن أعرابيا بايع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأصاب الأعرابي وعك بالمدينة ، فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا محمد أقلني بيعتي ، فأبى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم جاءه فقال أقلني بيعتي فأبى . ثم جاءه فقال أقلني بيعتي فأبى فخرج الأعرابي فقال : رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنما المدينة كالكير تنفي خبثها وينصع طيبها . ( متفق عليه ) .

التالي السابق


2739 - ( وعن جابر بن عبد الله أن أعرابيا ) أي واحدا من أهل البادية قال الطيبي - رحمه الله - وكان ممن هاجر ( بايع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) أي على المقام عنده ( فأصاب الأعرابي وعك ) وأحب الخروج منها أو تشاءم بالبيعة لما حصل له من المحنة كقوله - تعالى : ومن الناس من يعبد الله على حرف الآية ( فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال يا محمد أقلني بيعتي ) استعارة من إقالة البيع وهو إبطاله فأبى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) قال الطيبي - رحمه الله - : وإنما أبى لأنه لا يجوز إقالة بيعة الإسلام ولا إقالة بيعة الإقالة معه اهـ . ولعل الأول لتضمنه الرضا بالكفر والتسبب له ، والثاني لاشتماله على هجران المهاجرة ( ثم جاءه ) أي ثانيا ( فقال أقلني بيعتي ) ظنا منه أنه يجوز قياسا له على البيع فإن الإقالة من مكارم الأخلاق في البيع ، ولذا قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أقال نادما أقال الله عثرته يوم القيامة ( فأبى ) لأن الفرق بينهما بين [ ص: 1881 ] ( ثم جاءه فقال أقلني بيعتي فأبى فخرج ) أي من المدينة ( الأعرابي ) من غير إذنه - صلى الله عليه وسلم - ( فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنما المدينة كالكير تنفي خبثها ) بفتحتين يعني ما تبرزه النار من الجواهر المعدنية التي تصلح للطبع فتخلصها بما تبرزه من ذلك ، وروي بضم الخاء وسكون الباء يعني به الشيء الخبيث قال الطيبي - رحمه الله - : والأول أشبه لمناسبة الكير ( وينصع ) بفتح الياء والصاد المهملة هو الرواية الصحيحة ، أي يصفو ويخلص ويتميز ( طيبها ) بفتح الطاء وكسر الياء المشددة على الرواية الصحيحة ، ويروى بكسر الطاء وضم الباء قال الطيبي - رحمه الله : والأول هو أقوم معنى ، لأنه ذكر في مقابلة الخبيث ، وأنه لا مناسبة بين الكير والطيب ، وقال بعض الشراح : روي بضم التاء وسكون النون وهي أشد الروايات لفظا ومعنى من نصع لونه نصوعا إذا اشتد بياضه وخلعي ، وأنصعه غيره على اللغة القياسية ، وفي معناه منصع بتشديد الصاد ، والرواية بالتشديد أكثر ، وطيبها بتشديد الياء وفتح الباء ; جعل مثل المدينة وما يصيب ساكنيها من الجهد والبلاء كمثل الكير وما يوقد عليه في النار ، فيميز به الخبيث من الطيب فيذهب الخبيث ويبقى الطيب فيه أزكى ما كان وأخلص ، كما في زمان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فإنه أخرج أهل الكتاب وأظهر العدل والإحسان ، وفي التنزيل إشارة إلى هذا التأويل في حق الحق والباطل من جهة التمثيل فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال

( متفق عليه ) .




الخدمات العلمية