الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
2766 - وعن جابر - رضي الله عنه - أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول عام الفتح ، وهو بمكة : إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام : فقيل يا رسول الله أرأيت شحوم الميتة ؟ فإنه تطلى بها السفن ، ويدهن بها الجلود ، ويستصبح بها الناس ؟ فقال : " لا ، هو حرام " ثم قال عند ذلك " قاتل الله اليهود ، إن الله لما حرم شحومها أجملوه ، ثم باعوه فأكلوا ثمنه " متفق عليه .

التالي السابق


2766 - ( وعن جابر أنه سمع النبي ) : وفي نسخة صحيحة : ( رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول عام الفتح وهو بمكة ) : قال الطيبي قوله : وهو بمكة بعد قوله : عام الفتح نحو قولهم : رأيته بعيني وأخذته بيدي اهـ ، وهو غير صحيح كما لا يخفى ، لأنه لا يلزم في قوله عام الفتح أن يكون بمكة ; لاحتمال أن يكون بالمدينة أو بغيرها في ذلك العام ، نعم . المقصود منهما تحقيق السماع ، وتقريره ( أن الله ) : أي بالحقيقة ( ورسوله ) أي : بالمجاز والتبعية ( حرم بيع الخمر ) : أو المراد أن الله - تعالى - بين في كتابه حرمة الخمر وجعلها رجسا وحرم بيعها ، ورسوله أيضا بين حرمتها في أحاديثه وكذا معنى قوله : والميتة والخنزير والأصنام ) : أي وإن كانت من ذهب أو فضة ، وقال الطيبي - رحمه الله : وذكر الله - تعالى - قبل ذكر رسوله - صلى الله عليه وسلم - توطئة لذكره إيذانا بأن تحريم الرسول بيع المذكورات لتحريم الله - تعالى - لأنه رسوله وخليفته ، ( فقيل : يا رسول الله أرأيت ) : أي : أخبرني [ ص: 1896 ] ( شحوم الميتة ؟ ) : أي : حكمها ( فإنها ) : أي : شحومها ، أو الضمير للقضية ، ويؤيده ما في نسخة صحيحة : فإنه بالتذكير على أن الضمير للشأن ( تطلى بها السفن ) : بضمتين جمع السفينة أي أخشابها ( ويدهن ) : بتشديد الدال ، وفي نسخة تشديد الهاء ، ( بها الجلود ، ويستصبح ) : بكسر الموحدة أي : ينور ( بها الناس ) : المصباح أو بيوتهم ، والمراد بالطلب المستفاد من السين أنهم لشدة احتياجهم إلى ذلك التنوير يسعون في تحصيلها ما أمكن ، ويجوز كون السين لمجرد التأكيد ( فقال " لا ) : أي : لا يجوز ذلك ( هو ) : أي الانتفاع به ( حرام ) : أي : ممنوع : قال الطيبي - رحمه الله : الضمير المرفوع راجع إلى مقدر بعد كلمة الاستخبار ، وكلمة ( لا ) رد لذلك المقدر ، وهو يحتمل أمرين أحدهما : أخبرني أيحل انتفاع شحوم الميتة ، والثاني : هو المراد : قال النووي - رحمه الله : معنى قوله : " لا هو حرام " لا تبيعوها فإن بيعها حرام ، فالضمير في ( هو ) يعود إلى البيع لا الانتفاع ، وهذا هو الصحيح عند الشافعي وأصحابه ، وعند الجمهور لا يجوز الانتفاع به في شيء من ذلك أصلا لعموم النهي ; إلا ما خص وهو الجلد المدبوغ ، فالصحيح من مذهبنا جواز الانتفاع بالأدهان المنجسة من الخارج كالزيت والسمن وغيرها بالاستصباح ونحوه ، بأن يجعل الزيت صابون أو يطعم العسل المتنجس النحل والميتة والكلاب والطعام والدواب ، وأجاز أبو حنيفة - رحمه الله - وأصحابه بيع الزيت النجس إذا بينه : قال العلماء : وفي عموم تحريم بيع الميتة أنه يحرم بيع جثة الكافر المقتول ، وفي الحديث أن نوفلا المخزومي قتل يوم الخندق ، فبذل الكفار في جسده عشرة آلاف درهم فلم يقبلها النبي - صلى الله عليه وسلم .

( ثم قال ) : أي : النبي - صلى الله عليه وسلم - ( عند ذلك ) : ما ذكر من قول القائل أرأيت الخ ( قاتل الله اليهود ) : أي : أهلكهم ولعنهم ، ويحتمل إخبار ودعاء وهو من باب عاقبت اللص . قال القاضي - رحمه الله : أي : عاداهم ، وقيل : قتلهم ، فأخرج في صورة المغالبة ( إن الله لما حرم شحومها ) : بصيغة الإفراد في نسخ المشكاة : وقال في المفاتيح : قوله : شحومهما أي : بصيغة التثنية ، الضمير يعود إلى غير مذكور ، والمراد منه البقر والغنم ، كما في قوله - تعالى : ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما وروي ( شحومها ) ، فالضمير يعود إلى كل واحدة ، والبقر والغنم اسم جنس يجوز تأنيثه باعتبار المعنى ( أجملوه ) : بالجيم أي أذابوه ، والضمير راجع إلى الشحوم على تأويل المذكور ، ذكره الطيبي - رحمه الله ، والأظهر أنه راجع إلى الشحم المفهوم من الشحوم قال الطيبي - رحمه الله : ويجوز أن يرجع إلى ما هو في معنى الشحوم ، إذ لو قيل حرم شحومها لم يخل بالمعنى فهو نحو قوله - تعالى : فأصدق وأكن اهـ .

وفي النهاية : جملت الشحم وأجملته أذبته ، وفي القاموس : جمل الشحم أذابه كأجمله واجتمله ، فقول الطيبي - رحمه الله : جملت أفصح من أجملت ليس من الجميل والصحيح أنهما فصيحان بل الأجمل ، أن يقال : إن أجمل أبلغ لإفادة المبالغة ، لأن زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى ، فالمعنى أنهم بالغوا في هذا الفعل واستمروا عليه ، ولم ينتهوا عنه ( ثم باعوه ) أي : صورة ، وإلا فهو باطل حقيقة ( فأكلوا ثمنه ) : فيه زيادة توبيخ ، وفي شرح السنة : فيه دليل على بطلان كل حيدة تحتال للتوصل إلى محرم وأنه لا يتغير حكمه بتغير هيئاته وتبديل اسمه ( متفق عليه ) .




الخدمات العلمية