الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
3377 - وعن البراء بن عازب - رضي الله عنه - قال : صالح النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم الحديبية على ثلاثة أشياء : على أن من أتاه من المشركين رده إليهم ، ومن أتاهم من المسلمين لم يردوه ، وعلى أن يدخلها من قابل ويقيم بها ثلاثة أيام ، فلما دخلها ومضى الأجل خرج ، فتبعته ابنة حمزة تنادي : يا عم ! يا عم ! فتناولها علي ، فأخذ بيدها ، فاختصم فيها علي وزيد وجعفر . قال علي : أنا أخذتها وهي بنت عمي . وقال جعفر : بنت عمي وخالتها تحتي . وقال زيد : بنت أخي فقضى بها النبي - صلى الله عليه وسلم - لخالتها ، وقال : " الخالة بمنزلة الأم " . قال لعلي : " أنت مني وأنا منك " . وقال لجعفر : " أشبهت خلقي وخلقي " . وقال لزيد : " أنت أخونا ومولانا " . متفق عليه .

التالي السابق


3377 - ( وعن البراء بن عازب ) : صحابيان ( قال ؟ صالح النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم الحديبية ) : بتخفيف الياء الثانية مصغرا ، وفي بعض النسخ بتشديدهما ، والأول أصح على ما ذكره النووي والزركشي وغيرهما . وفي النهاية : هي بئر قرب مكة ، قلت : هي قرب حدة بالحاء المهملة بينها وبين مكة ، والآن مشهورة ببئر شميس ، وهي من أواخر أرض الحرم والمراد حولها . وقال الواقدي : بعض الحديبية من الحرم ، والمعنى صالح كفار مكة برجوعه إلى المدينة وعدم مقاتلته ذلك العام ( على ثلاثة أشياء ) : أي أمور وأحكام ( على أن من أتاه ) : أي النبي - صلى الله عليه وسلم - ( من المشركين ) ؟ بيان لمن ( رده إليهم ، ومن أتاهم ) : أي المشركين ( من المسلمين لم يردوه ) : أي إلى المسلمين ( وعلى أن يدخلها ) : أي يجيء النبي - صلى الله عليه وسلم - من المدينة إلى مكة ويدخلها ( من قابل ) : أي عام آت ويقضي بها عمرته ( ويقيم بها ثلاثة أيام ) : أي للطاعة والاستراحة ( فلما دخلها ومضى الأجل ) : أي المدة المضروبة المعينة وهى ثلاثة أيام ( خرج ) : أي : أراد أن يخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - من مكة ، أو شرع في الخروج منها ، ( فتبعته ابنة حمزة ) : أي ابن عبد المطلب ، وكان قد استشهد بأحد وهي يتيمة ( تنادي : يا عم ! يا عم ) : مكررا للتأكيد ، وأصله يا عمي فحذفت الياء اكتفاء بالكسرة ، وإنما قالت هذا مع أنه - صلى الله عليه وسلم - كان ابن أخي أبيها ، وأبوها هو عمه ، لأنه - صلى الله عليه وسلم - وحمزة وزيدا ارتضعوا فهو عمها رضاعا ( فتناولها علي ) : أي فقصد تناولها ، ( فاختصم فيها ) : أي في حضانتها ( علي وزيد ) : أي ابن حارثة مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعتقه وزوجه زينب ( وجعفر ) : أي ابن أبي طالب يكنى أبا عبد الله ، وكان أكبر من علي بعشر سنين ( فقال ) : وفي نسخة العفيف ، قال ( علي : أنا أخذتها ) : أي سبقتها في الأخذ ، فكأنه جعلها في معنى اللقطة واللقيط ( وهي بنت عمي ) : حال ( وقال جعفر : بنت عمي وخالتها تحتي ) : أي فأنا أحق بها ( وقال زيد : بنت أخي ) : أي رضاعا وفي جامع الأصول ، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد آخى بينه وبين حمزة ( فقضى بها النبي - صلى الله عليه وسلم - لخالتها [ ص: 2209 ] وقال : " الخالة بمنزلة الأم " . وقال لعلي : " أنت مني وأنا منك " . وقال لجعفر : " أشبهت خلقي ) : بفتح أوله ( وخلقي ) بضمتين ويسكن الثاني ( وقال لزيد : أنت أخونا ) : أي في الإسلام ( ومولانا ) : أي ولينا وحبيبنا . وهذه الكلمات اللطيفة والبشارات الشريفة استطابة لقلوبهم ، وتسلية لحزنهم في تقديم الخالة عليهم ، وفي الفائق : لما قال - صلى الله عليه وسلم - لزيد : " أنت أخونا ومولانا " . حجل أي رفع رجلا وقفز أي : وثب على الأخرى من الفرح . وقال الطيبي رحمه الله : لعل المراد بقوله أخونا هذه المؤاخاة وبقوله : مولانا روي أنه كان يدعى بحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اهـ .

والمشهور أن المدعو بحبه إنما كان أسامة بن زيد والله تعالى أعلم . وفي شرح الهداية لابن الهمام : وإن لم يكن للولد أم تستحق الحضانة فأم الأم أولى من كل أحد وإن علت ، وعن أحمد : أم الأب أولى ، وعن زفر : الأخت الشقيقة والخالة أم . ورواه إسحاق بن راهويه وقال بعد قوله : ( وأما أنت يا زيد فأخونا ومولانا ، والجارية عند خالتها فإن الخالة والدة " ) . قال ابن الهمام : هذا كله تشبيه ، فيحتمل كونه في ثبوت الحضانة ، أو كونها أحق به من كل ما سواها ، ولا دلالة على الثاني ، والأول متيقن ، فيثبت فلا يقيد الحكم بأنها أحق من أحد بخصوصه أصلا ممن له حق في الحضانة ، فيبقى المعنى الذي عيناه بلا معارض ، وهو أن الجدة أم ، ولهذا تحرز ميراث الأم من السدس ، وعليه الشفقة تتبع الولادة ظاهرا ، فكانت مقدمة على الأخوات أولى من العمات والخالات ، فإن لم تكن سفلى ولا عليا ، فالأخوات أولى من العمات والخالات . ( متفق عليه ) .




الخدمات العلمية