الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
3736 - وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من طلب قضاء المسلمين حتى يناله ، ثم غلب عدله جوره فله الجنة ، ومن غلب جوره عدله فله النار . رواه أبو داود .

التالي السابق


3736 - ( وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من طلب قضاء المسلمين حتى يناله ) ; أي إلى أن يدرك القضاء ( ثم غلب عدله جوره ) ; أي قوي عدله على جوره ; بحيث منعه عن الجور ، أو الظلم في الحكم ; ( فله الجنة ) ; أي مع الفائزين ، قال الطيبي : إن يقل قوله : ( حتى ) غاية للطلب ، و ( حتى ) للتدرج ، فيفهم منه أنه بالغ في الطلب ، وبلغ مجهوده فيه ، ثم ناله ، فمثل هذا موكول إلى نفسه ، فلا ينزل عليه ملك يسدده ، فكيف يغلب عدله جوره ؟ وقد قال في الحديث السابق : ( من ابتغى القضاء وسأل وكل إلى نفسه ) فكيف الجمع بينهما ؟ يمكن أن يقال : الطالب رجلان ; رجل مؤيد بتأييد الله محدث ملهم كالصحابة ، ومن بعدهم من التابعين ، فإذا طلبه بحقه فمثل هذا لا يكون موكولا إلى نفسه وهو يقضي بالحق ، وهذا هو الذي غلب عدله جوره ، ورجل ليس كذلك ، وهو الذي وكل إلى نفسه ، فيغلب جوره عدله ، وهذا معنى قوله : ( ومن غلب جوره عدله فله النار ) قال التوربشتي : ربما يسبق إلى فهم بعض من لا يتحقق القول أن المراد من الغلبة أن يزيد ما عدل فيه على ما جار وهذا باطل .

قال الطيبي : وفي تأويله وجوه أحدها ، ما قاله التوربشتي : أن المراد من الغلبة في كلا الصيغتين أن تمنعه إحداهما عن الأخرى ; فلا يجور في حكمه ; يعني في الأول ، ولا يعدل يعني في الثاني ، قلت : لا يحتاج إلى تأويل ; لأن من كثر ظلمه [ ص: 2428 ] بالنسبة إلى عدله فله النار ; أيضا ، ويفهم بطريق الأول : أن من لا يعدل أصلا أنه في النار ، ففيه إشارة إلى قوله - صلى الله عليه وسلم - : " قاض في الجنة وقاضيان في النار " وإنما المحتاج إلى التأويل هو الأول فتأمل ; وثانيها : ما قاله المظهر : أن من قوي عدله بحيث لا يدع أن يصدر منه جور ، قلت : هذا هو عين الوجه الأول ; وثالثها : ما قاله القاضي : إن الإنسان خلق في بدء فطرته بحيث يقوى على الخير ، والشر ، والعدل ، والجور ، ثم إنه يعرض له دواع داخلية وأسباب خارجية تتعارض وتتصارع ; فيجذبه هؤلاء مرة ، وهؤلاء أخرى ، حتى يفضي التطارد بينهما إلى أن يغلب أحد الحزبين ، ويقهر الآخر فينقاد له بالكلية ويستقر على ما يدعوه إليه ، فالحاكم إن وفق له حتى غلب له أسباب العدل قائما فيه دواعيه ; صار بشرارة مائلا إلى العدل ، مشغوفا به ، متحاشيا عما ينافيه ، فينال به الجنة ، وإن عدل بأن كان حاله على خلاف ذلك جار بين الناس ونال بشؤمه النار اهـ . وفيه أن هذا تفصيل وتوجيه للقول الأول ، فلا تغفل . نعم له معنى ثان : وهو أن يكون المراد من عدله ، وجوره ، وصوابه ، وخطأه في الحكم بحسب اجتهاده ; فيما لا يكون فيه نص من كتاب ، أو سنة ، أو إجماع ، كما قالوه في حق المفتي ، والمدرس ويؤيده حديث : " إن الله مع القاضي ما لم يحف عمدا " كما سيأتي ( رواه أبو داود ) .




الخدمات العلمية