الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
3851 - وعن أبي سعيد رضي الله عنه ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " من رضي بالله ربا ، وبالإسلام دينا ، وبمحمد رسولا ، وجبت له الجنة " . فعجب لها أبو سعيد . فقال : أعدها علي يا رسول الله ! فأعادها عليه ، ثم قال : " وأخرى يرفع الله بها العبد مائة درجة في الجنة ، ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض " . قال : وما هي يا رسول الله ؟ قال : " الجهاد في سبيل الله ، الجهاد في سبيل الله ، الجهاد في سبيل الله " . رواه مسلم .

التالي السابق


3851 - ( وعن أبي سعيد رضي الله عنه ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : من رضي بالله ربا ) : تمييز ; أي : من رضي بربوبيته على وفق قضائه وقدره من خيره وشره وحلوه ومره ( وبالإسلام دينا ) ; أي : بشرائعه وأحكامه من المأمورات والمنهيات - ( وبمحمد رسولا ) ; أي : وبرسالته المورثة لمتابعته في أقواله وأفعاله وأحواله المعبر عنها بالشريعة والطريقة والحقيقة ( وجبت له الجنة ) ; أي : ثبتت وتحققت ، وعبر عنه بالمضي مبالغة في تحقيق وقوعه ، أو حصلت له الجنة في الدنيا ، وهو الغيبة عن السوى والحضور مع المولى ، ويشير إلى هذا المعنى قوله تعالى : ( ولمن خاف مقام ربه جنتان ) ; أي : جنة في الدنيا وأخرى في الأخرى ( فعجب لها ) : أي : لأجل هذه الكلمات ، أو لهذه القضية ( أبو سعيد : فقال : أعدها علي يا رسول الله ! فأعادها عليه ، ثم قال ) : أي : النبي - صلى الله عليه وسلم - ( وأخرى ) : أي : [ ص: 2492 ] وكلمة ، أو فائدة ، أو قضية أخرى مما يتعجب لها ، فيتعين أن يرغب فيها وهي ( يرفع الله بها العبد مائة درجة في الجنة ، ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض . قال ) : أي : أبو سعيد ( وما هي ) : أي : تلك الخصلة الأخرى ( يا رسول الله ؟ قال : الجهاد ) ; أي : هي الجهاد ( في سبيل الله ، الجهاد في سبيل الله ، الجهاد في سبيل الله . ثلاث مرات ) : وفيه إيماء إلى أن الجهاد فرض كفاية حيث عطف على لوازم الإسلام بطريق الإلزام ، فإن العطف يقتضي المغايرة في الكلام .

قال الطيبي : أخرى صفة موصوف محذوف وهو مبتدأ ، وقوله يرفع الله خبره ، أو منصوب على إضمار فعل ; أي : ألا أبشرك بشارة أخرى ؟ وقوله : يرفع الله صفة ، أو حال ، وقيل هناك خصلة أخرى ، وفي هذا الأسلوب تفخيم أمر الجهاد وتعظيم شأنه ، فإن قوله : من رضي بالله ربا ، وبالإسلام دينا ، مشتمل على جميع ما أمر الله به ونهى عنه ومنه الجهاد ، وكذا إبهامه بقوله : وأخرى وإبرازه في صورة البشارة ليسأل عنها فيجاب بما يجاب ; لأن التبيين بعد الإبهام أوقع في النفس ، وكذا تكراره ثلاث مرات ، ونظير الحديث قوله تعالى : ( هل أدلكم على تجارة تنجيكم ) إلى قوله : ( وبشر المؤمنين ) وقال ابن الملك : قيل قيد ورد : ( من أنفق زوجين في سبيل الله دعاه كل من خزنة الجنة " الحديث . وذلك أعظم أجرا . وأجيب : بما تقرر من أن الحكم المترتب على الأثقل مقدم على الحكم المترتب على الأخف ، وبأن سبيل الله أعم من الجهاد فيدخل فيه ، أو يكون المراد بالزوجين الراكب ومركوبه ، وإنفاقهما إهلاكهما ، فصار الحديثان متقاربين في المعنى ، وفيه أن الأجر فضل من الله تعالى ؛ يجوز أن يعطي من شاء ممن عمل عملا قليلا ، أجرا جزيلا ، وقدرا جليلا ، فأي حاجة إلى وجه التكلف اه . ولا يخفى عدم التنافي بين الحديثين فالسؤال ساقط من أصله في البين . ( رواه مسلم ) .




الخدمات العلمية