الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
4033 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : غزا نبي من الأنبياء ، فقال لقومه : لا يتبعني رجل ملك بضع امرأة وهو يريد أن يبني بها ولما يبن بها ولا أحد بنى بيوتا ولم يرفع سقوفها ، ولا رجل ، اشترى غنما ، أو خلفات وهو ينتظر ولادها ، فغزا ، فدنا من القرية صلاة العصر ، أو قريبا من ذلك ، فقال للشمس : إنك مأمورة وأنا مأمور ، اللهم ، احبسها علينا ، فحبست حتى فتح الله عليه ، فجمع الغنائم فجاءت يعني النار لتأكلها ، فلم تطعمها ، فقال إن فيكم غلولا ، فليبايعني من كل قبيلة رجل ، فلزقت يد رجل بيده ، فقال : فيكم الغلول ، فجاءوا ، برأس مثل رأس بقرة من الذهب ، فوضعها ، فجاءت النار فأكلتها " . زاد في رواية : " فلم تحل الغنائم لأحد قبلنا ، ثم أحل الله لنا الغنائم ، رأى ضعفنا وعجزنا فأحلها لنا " . متفق عليه .

التالي السابق


4033 - ( وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله ) : وفي نسخة النبي ( صلى الله عليه وسلم " غزا نبي من الأنبياء " ) : هو يوشع بن نون أي : أراد الغزو ( " فقال لقومه : لا يتبعني " ) : بتشديد الثانية وكسر الموحدة وفي نسخة بالتخفيف وكسرها أي : لا يرافقني ( " رجل ملك بضع امرأة " ) : بضم الموحدة أي : فرجها . قال الطيبي : البضع يطلق على عقد النكاح والجماع معا ، وعلى الفرج ، والمعنى نكح امرأة ولم يدخل عليها . ( " وهو يريد أن يبني بها " ) أي : يدخل عليها ( " ولما يبن بها " ) أي : والحال أنه لم يدخل عليها بعد ( " ولا أحد " ) أي : ولا يتبعني أحد ( " بنى بيوتا " ) : بضم الموحدة وكسرها ( " ولم يرفع سقوفها " ) أي : [ ص: 2602 ] ولم يكمل ما يتعلق بضرورة عمارتها ، والظاهر أن قيد الجمع اتفاقي ، أو عادي ، وإنما نهى عن متابعة هذه الأشخاص في تلك الغزاة ; لأن تعلق النفس يوهن عزم الأمر المهم فتفوت المصلحة : قال النووي : وفيه أن الأمور المهمة ينبغي أن لا تفوض إلا إلى أولي الحزم وفراغ البال لها ، ولا تفوض إلى متعلقي القلب بغيرها ; لأن ذلك يضعف عزمه . ( " ولا رجل اشترى غنما " ) : جنس ( " ، أو خلفات " ) : جمع الخلفة بفتح المعجمة وكسر اللام الحامل من النوق و ( أو ) : للتنويع ( " وهو ينتظر ولادها " ) : بكسر الواو أي : نتاجها ، والضمير إلى الخلفات ، وهو من باب الاكتفاء ; لأنه يعلم منها حكم الأخرى ؛ إذ التقدير : ولاد كل واحدة منها ، أو ولاد المذكورات ، ونظيره قوله تعالى : ( والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها ) قال الطيبي : يحتمل أن يرجع الضمير إلى الطائفتين من الغنم والإبل على التغليب ، ( " فغزا " ) أي : قصد الغزو وشرع في سفره ( " فدنا من القرية " ) : قال الطيبي : كذا في البخاري وفي مسلم : فأدنى . قال النووي في شرح مسلم : هكذا هو في جميع النسخ بهمز القطع ، وكذا عن القاضي عياض أيضا ، وهو إما أن يكون تعدية لدنا . بمعنى قرب أي : أدنى جيوشه إلى القرية ، وإما أن يكون بمعنى حان أي : حان فتحها من قولهم : أدنت الناقة إذا حان وقت نتاجها ، ولم يقل في غير الناقة . في النهاية : فأدنى بالقرية هكذا جاء في مسلم ، وهو افتعل من الدنو وأصله أدتنى فأدغم التاء في الدال اهـ . فيكون من قبيل قوله : أدان من الدين ، وحاصله أنه قرب من القرية ( " صلاة العصر " ) أي : وقتها ، والمراد آخر أجزائه لقوله : ( " ، أو قريبا من ذلك " ) أي : من آخر العصر ، فأو للترديد احتياطا ، ويمكن أن يكون الشك من الراوي ( " فقال " ) أي : ذلك النبي للشمس : إنك مأمورة ) أي : بالسير ( وأنا مأمور ) أي : بفتح القرية في النهار ، وذلك أنه قاتل الجبارين يوم الجمعة ، فلما أدبرت الشمس خاف أن تغيب قبل أن يفرغ منهم ، ويدخل السبت فلا يحل له قتالهم فيه فدعا الله . ( " وقال : اللهم احبسها علينا ، فحبست " ) أي : الشمس ( " حتى فتح الله عليه " ) .

قال القاضي عياض : اختلفوا في حبس الشمس ، فقيل ردت على أدراجها ، وقيل : وقفت بلا رد ، وقيل : بطأ تحركها . قلت : أوسطها ; لأنه الظاهر في معنى الحبس ، وكل ذلك من معجزات النبوة . قال : وقد روي أن نبينا صلى الله عليه وسلم حبست له الشمس مرتين : إحداهما يوم الخندق حين شغلوا عن صلاة العصر حتى غربت الشمس ، فردها الله عليه حتى صلى العصر قاله الطحاوي ، وقال : رواته ثقات ، والثانية صبيحة الإسراء حين انتظر العير التي أخبر بوصولها مع شروق الشمس . وفي المواهب : وأما رد الشمس لحكمه صلى الله عليه وسلم ، فروي عن أسماء بنت عميس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوحى إليه ، ورأسه في حجر علي رضي الله عنه ، فلم يصل العصر حتى غربت الشمس ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أصليت يا علي " ؟ قال : لا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اللهم إنه كان في طاعتك وطاعة رسولك فاردد عليه الشمس ، " . قالت أسماء : فرأيتها غربت ، ثم رأيتها طلعت بعد ما غربت ، ووقعت على الجبال والأرض ، وذلك بالصهباء في خيبر ، ورواه الطحاوي في مشكل الحديث كما حكاه القاضي في الشفاء ، وقال شيخنا يعني العسقلاني ، قال أحمد : لا أصل له ، وتبعه ابن الجوزي فأورده في الموضوعات ، ولكن قد صححه الطحاوي ، والقاضي عياض وأخرجه ابن منده وابن شاهين وغيرهم في الشفاء : لما أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وأخبر قومه بالرفقة والعلامة التي في العير قالوا : متى تجيء ، قال : يوم الأربعاء ، فلما كان ذلك اليوم أشرفت قريش ينظرون وقد ولى النهار ، ولم تجئ ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فزيد له في النهار ساعة وحبست عليه الشمس . وروى الطبراني أيضا في معجمه الأوسط بسند حسن ، عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أمر الشمس فتأخرت ساعة من النهار اهـ .

[ ص: 2603 ] وبهذا يعلم أن رد الشمس بمعنى تأخيرها ، والمعنى أنها كادت أن تغرب فحبسها فيندفع بذلك ما قال بعضهم ، ومن تغفل واضعه أنه نظر إلى صورة فضيلة ، ولم يلمح إلى عدم الفائدة فيها ، فإن صلاة العصر بغيبوبة الشمس تصير قضاء ، ورجوع الشمس لا يعيدها أداء اهـ . مع إنه يمكن حمله على الخصومات وهو أبلغ في باب المعجزات ، والله أعلم بتحقيق الحالات . قيل : يعارضه قوله في الحديث الصحيح : " لم تحبس الشمس على أحد إلا ليوشع بن نون " ويجاب بأن المعنى لم تحبس على أحد من الأنبياء غيري إلا ليوشع ، والله أعلم .

( فجمع الغنائم فجاءت يعني النار " ) : تفسير من بعض الرواة ( " لتأكلها " ) : متعلق بجمع ( " فلم تطعمها " ) أي : لم تأكلها ففيه تفنن في العبارة والمعنى فلم تحرقها ولم تعدمها ؟ قال النووي : وكانت عادة الأنبياء عليهم السلام أن يجمعوا الغنائم فتجيء نار من السماء فتأكلها علامة لقبولها وعدم الغلول فيها ( " فقال " ) أي : ذلك النبي صلى الله عليه وسلم لقومه : ( " إن فيكم " ) أي : فيما بينكم إجمالا ( " غلولا " ) : بالضم ، ويحتمل الفتح بمعنى غال ( " فليبايعني " ) : بسكون اللام ويسكن ( " من كل قبيلة رجل . فلزقت " ) : بكسر الزاي أي : ففعلوا فلصقت ( " يد رجل بيده ، فقال : فيكم " ) أي : على الخصوص ( " الغلول ، فجاءوا برأس مثل رأس بقرة " ) : بجر مثل على الوصف وفي نسخة بالنصب على أنه حال أي : مماثلا لرأس بقرة وقوله : " من الذهب " ) : بيان لرأس الأول فتأمل ( " فوضعها " ) أي : النبي الرأس وأنث ; لأن المراد به الغنيمة ( " فجاءت النار فأكلتها " . زاد ) أي : أبو هريرة رضي الله عنه ( في رواية ) أي : لهما ، أو لأحدهما ، أو لغيرهما ( " فلم تحل الغنائم لأحد قبلنا ، ثم أحل الله الغنائم " ) أي : سترا علينا وتوسعة للدنيا وهو تصريح بما علم ضمنا ( ورأى ضعفنا وعجزنا ) استئناف بيان ( " فأحلها لنا " ) : إعادة لترتب الحكم والأول لمجرد الإخبار . ( متفق عليه ) .




الخدمات العلمية