الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
4565 - وعنه ، قال : قلت : يا رسول الله ! إنا نرسل الكلاب المعلمة ، قال : " كل ما أمسكن عليك " قلت : وإن قتلن ؟ قال : " وإن قتلن " قلت : إنا نرمي بالمعراض . قال : " كل ما خزق ، وما أصاب بعرضه فقتل فإنه وقيذ فلا تأكل " . متفق عليه .

التالي السابق


4065 - ( وعنه ) أي : عن عدي ( قال : قلت : يا رسول الله ! إنا نرسل الكلاب المعلمة ) : بفتح اللام المشددة أي : فبين ما يجوز لنا أكله وما لا يجوز . ( قال : كل ما أمسكن عليك ) : في هذا الإطلاق المطابق لقوله تعالى : ( فكلوا مما أمسكن عليكم ) من غير قيد بالجرح تأييد لما روى الحسن عن أبي حنيفة وأبي يوسف ، أنه لا يشترط الجرح ، وظاهر المذهب أنه يشترط جرح ذي الناب وذي المخلب للصيد في أي موضع كان لتحقق الذكاة الاضطرارية ، قالوا : ووجهه أن المقصود إخراج الدم المسفوح وهو بالجرح عادة فأقيم الجرح مقامه ، كما في [ ص: 2644 ] الذكاة الاختيارية والرمي بالسهم ، ولأنه لو لم يجرحه صار موقوذة . وهي محرمة بالنص . ( قلت : وإن قتلن ؟ ) أي : الصيد ، وإن وصلية ( قال : وإن قتلن قلت : إنا نرمي بالمعراض ) : بكسر الميم هو السهم الثقيل الذي لا ريش له ولا نصل ذكره ابن الملك ، وهو كذا في النهاية . وفي المغرب : سهم لا ريش عليه يمضى عرضا فيصيب بعرض العود لا بحده ، وفي القاموس : كمحراب سهم بلا ريش رقيق الطرفين غليظ الوسط يصيب بعرضه دون حده . وقال النووي : بكسر الميم خشبة ثقيلة ، أو عصا في طرفها حديدة ، وقد تكون بغير حديدة ، وهذا هو الصحيح في تفسيره . وقال الهروي : هو سهم لا ريش فيه ولا نصل ، وقيل سهم طويل له أربع قدد رقاق ، فإذا رمي به اعترض ، وقيل هو رقيق الطرفين غليظ الوسط إذا رمى به ذهب مستويا اهـ . ويصح إرادة الكل كما لا يخفى ، ويدل عليه الجواب ( قال : كل ما خزق ) : بفتح الخاء المعجمة والزاي بعدها قاف أي : نفذ ، ذكره السيوطي . وفي النهاية : خزق السهم أصاب الرمية ونفذ فيها وقال النووي : خزق بالخاء والزاي المعجمتين معناه نفذ . وقال بعض الشراح من علمائنا : الخزق الطعن وهو الظاهر ، ويؤيده ما في القاموس خزقه ، طعنه ، والخازق السنان ، ومن السهام المقرطس ، وفيه رمى فقرطس أي : أصاب القرطاس ، فالمعنى كل ما جرح وقتل وهو ما أصاب بحده لقوله : ( وما أصاب ) أي : المعراض وغيره ( بعرضه ) أي : بحيث ما جرحه ( فقتل ) : بصيغة الفاعل أي : فقتله كما في نسخة صحيحة يعني بثقله ( فإنه وقيذ ) : بالذال المعجمة فعيل بمعنى المفعول أي : موقوذ مضروب ضربا شديدا بعصا ، أو حجر حتى مات . قال السيوطي : الوقيذ ما قتل بعصا ، أو حجر ، أو ما لا حد له . ( فلا تأكل ) : جواب الشرط ، أو خبر المبتدأ لتضمنه معنى الشرط ، وقوله : فإنه وقيذ علة للنهي قدمت عليه ، ويمكن أن تكون الجملة الاسمية هي الجزاء ، والنهي فرع مرتب عليه ، فيكون استدلالا بقوله تعالى : ( والموقوذة ) قال النووي : الوقيذ والموقوذ هو الذي يقتل بغير محدد من عصا ، أو حجر ، أو غيرهما ، واتفقوا على أنه إذا اصطاد بالمعراض فقتل الصيد بحده حل ، وإن قتله بعرضه لم يحل . وقالوا : لا يحل ما قتله بالبندقة مطلقا لحديث المعراض . وقال مكحول والأوزاعي وغيرهما من فقهاء الشام : يحل ما قتل بالمعراض والبندقة . ( متفق عليه ) .

وفى الشمني : روى أصحاب الكتب الستة عن عدي بن حاتم قال : قلت : يا رسول الله ! إني أرمي بالمعراض الصيد فأصيد . قال : إذا أصاب بحده فكل وإذا أصاب بعرضه فقتل فلا تأكل فإنه وقيذ قال : ولأنه لا بد من الجرح ليتحقق معنى الذكاة وعرض المعراض لا يجرح ، ولذا لو قتله ببندقة ثقيلة ذات حدة حرم الصيد ; لأن البندقة تكسر ولا تجرح ، فكانت كالمعراض ، أما لو كانت خفيفة ذات حدة لم يحرم لتيقن الموت بالجرح ، فلو رمى صيدا بسكين ، أو بسيف إن أصابه بحده أكل ، وإلا لا . ولو رماه بحجر إن كان ثقيلا لا يؤكل ، وإن جرح لاحتمال أنه قتل بثقله وإن كان خفيفا ، وبه حدة وجرح ، يؤكل لتيقن الموت بالجرح ، والأصل هنا أن الموت إن حصل بالجرح بيقين يؤكل ، وإن حصل بالثقل أو شك فيه لا يؤكل حتما ، أو احتياطا .




الخدمات العلمية