الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
4087 - وعن قبيصة بن هلب ، عن أبيه ، رضي الله عنه ، قال : سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن طعام النصارى وفي رواية : سأله رجل ، فقال : إن من الطعام طعاما أتحرج منه فقال : " لا يتخلجن في صدرك شيء ضارعت فيه النصرانية " . رواه الترمذي ، وأبو داود .

التالي السابق


4087 - ( وعن قبيصة بن هلب ) : بضم هاء وسكون لام ( عن أبيه رضي الله عنه ) : قال المؤلف : لأبيه صحبة ، روى عنه سماك وهلب بضم الهاء وسكون اللام وبالباء الموحدة . قالوا : والصواب بفتح الهاء وكسر اللام اهـ . وفي المغني : قبيصة بن هلب بمضمومة وسكون لام وبموحدة ، كذا يرويه أصحاب الحديث ، والصواب بفتح هاء وكسر لام . وفي القاموس : الهلب لقب أبي قبيصة يزيد بن قنافة الطائي يضمه المحدثون ، وصوابه ككتف . قلت : سنة المحدثين أصح من طريق اللغويين . ( قال : سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن طعام النصارى وفي رواية ) أي : للترمذي وأبي داود ، أو لأحدهما ، أو لغيرهما ( سأله ) أي : النبي صلى الله عليه وسلم ( رجل ) : يعني به نفسه ، أو غيره ( فقال ) أي : الرجل ( إن من الطعام ) أي : من جملة الأطعمة ( طعاما ) : قيل : أراد به طعام اليهود والنصارى ( أتحرج ) أي : أتجنب وأمتنع ( منه ) أي : من ذلك الطعام ، في النهاية : الحرج في الأصل الضيق ، ويقع على الإثم والحرام ، وقيل : الحرج أضيق الضيق . قلت : ويؤيده قوله تعالى : ( يجعل صدره ضيقا حرجا ) ( فقال : لا يتخلجن في صدرك شيء ) : بالخاء المعجمة في أصل السيد وغيره ، وفي بعض النسخ المصححة بالمهملة . قال التوربشتي : يروى بالحاء المهملة لا يتحركن الشك في قلبك . قال الطيبي : والأول أبلغ . قلت : الأبلغية إن كانت من حيث عموم الشيء وخصوص الشك فشيء موجود في الأصل ، مع أنه المراد منه إلا أن يقال بالتجريد ، وإن كانت من حيث معنى الفعلين مع قطع النظر عن التقييد ، فالتحريك أبلغ من الدخول كما لا يخفى ، وأبلغ منهما قوله تعالى : ( فلا يكن في صدرك حرج ) . ( ضارعت فيه النصرانية ) أي : شابهت لأجله أهل الملة النصرانية من حيث امتناعهم إذا وقع في قلب أحدهم أنه حرام ، أو مكروه ، وهذا في المعنى تعليل النهي ، والمعنى لا تتحرج فإنك إن فعلت ذلك ضارعت فيه النصرانية ، فإنه من دأب النصارى وترهيبهم ، والرجل السائل عن ذلك هو عدي بن حاتم ، وكان قبل الإسلام نصرانيا ، ويمكن أن يكون جملة ضارعت فيه صفة شيء ، وعبر عن المضارع بالماضي مبالغة في تحقق المضارعة . وقال الطيبي : هو جواب شرط محذوف ، والجملة الشرطية مستأنفة لبيان الموجب أي : لا يدخلن في قلبك ضيق وحرج ; لأنك على الحنيفية السهلة السمحة فإنك إذا شددت على نفسك بمثل هذا شابهت فيه الرهبانية فإن ذلك دأبهم وعادتهم قال تعالى : ( ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم ) الآية . ( رواه الترمذي ، وأبو داود ) .

[ ص: 2655 ]



الخدمات العلمية