الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
4091 - وعن جابر رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ذكاة الجنين ذكاة أمه " رواه أبو داود ، والدارمي .

التالي السابق


4091 - ( وعن جابر رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ذكاة الجنين ذكاة أمه ) : بالرفع في الثاني ، وفي نسخة صحيحة بالنصب ، وحكي بالنصب فيهما . في النهاية : التذكية الذبح والنحر ، ويروى الحديث بالرفع والنصب ، فمن رفع جعله خبر المبتدأ الذي هو ذكاة فيكون ذكاة الأم هي ذكاة الجنين ، فلا يحتاج إلى ذبح مستأنف ، ومن نصب كان التقدير : ذكاة الجنين كذكاة أمه ، فلما حذف الجار نصب ، أو على تقدير يذكى تذكية مثل ذكاة أمه فحذف المصدر وصفته ، وأقيم المضاف إليه مقامه ، فلا بد عنده من ذبح الجنين إذا خرج حيا ، ومنهم من يروي بنصب الذكاتين اهـ . ولعل نصبهما على طريق المبادلة بأن تنصب الأولى وترفع الثانية وتعكس ، ويمكن أن يكون نصبهما على الإغراء ، ثم لما كان ظاهر التركيب غير ملائم لمذهب الشافعي ومن وافقه من حيث إن المحكوم عليه ينبغي أن يكون مقدما على المحكوم به وهنا عكس .

قال الطيبي : لعل أصل الكلام ذكاة الأم بمنزلة ذكاة الجنين في الحل أي : مغنية عن ذكاة الجنين فقدم وأخر ، كقول العرب : سلمي سلمك وحربي حربك ودمي دمك وهدمي هدمك ، وكقول محمد بن علي : ذكاة الأرض يبسها يريد طهارتها من النجاسة جعل يبسها من النجاسة الرطبة في التطهير بمنزلة تذكية الشاة في الإحلال اهـ . وفيه أن قوله : سلمي سلمك من قبيل زيد المنطلق في كون كل منهما صالحا لأن يكون محكوما به ومحكوما عليه بخلاف ما نحن فيه ، وأما قول محمد بن علي : فله صارف عقلي بخلاف ما نحن فيه ، وفى الفائق : الذكاة هي التذكية ، كما أن الزكاة هي التزكية أي : ذكاة الأم كافية في حل الجنين . قال الأشرف : وذلك أن الجنين الذي في بطن الأم حال ذكاة الأم كالعضو المتصل بالأم ، فإن كل عضو من أعضائه يحل بذكاته ، ولا يحتاج إلى ذكاة كذلك الجنين المتصل به حالة الذبح إذا انفصل ميتا . وفي شرح السنة فيه دليل على أن من ذبح حيوانا فخرج من بطنها جنين ميت يكون حلالا ، وهو قول أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فمن بعدهم ، وإليه ذهب الشافعي ، [ ص: 2657 ] وشرط بعضهم الإشعار ، فأما إذا خرج الجنين حيا فيذبح وقال زين العرب : وإنما يحل الجنين لو سكن في البطن عقيب الذبح إذ لو تحرك زمانا طويلا ، ثم سكن حرم ، وإن خرج في الحال وبه حركة المذبوح حل ، وإن كان فيه حياة مستقرة يذبح اتفاقا ليحل ، ولو خرج بعضه وذبحت الأم قبل انفصاله حل أكله . وقال أبو حنيفة : لا يحل أكل الجنين إلا أن يخرج حيا ويذبح . قال الشمني : ولا يحل جنين ميت وجد في بطن أمه سواء أشعر ، أو لم يشعر ، وهذا عند أبي حنيفة وزفر والحسن بن زياد . وقال أبو يوسف ومحمد : إذا تم خلقه حل للحديث ؛ ولأنه جزء من أمه حقيقة ; لأنه متصل بها ، ويتغذى بغذائها ، ويتنفس بنفسها ، وحكما ; لأنه يدخل في البيت الوارد عليها ، فيكون جرحها ذكاة له عند العجز عن ذكاته كالصيد بجامع العجز عن الذكاة الاختيارية ، ولأبي حنيفة أن الجنين أصل في حق الحياة ، ولهذا تصح الوصية به فيجب إفراده بالذكاة ليخرج دمه فيطيب لحمه ، وليجعل تبعا لأمه فيها ; لأن المقصود من ذكاته وهو إخراج دمه لا يحصل بذبحها بخلاف جرح الصيد فإنه مخرج لدمه فيقوم مقام ذبحه ، ومعنى الحديث كذكاة أمه ، والتشبيه بهذا الطريق . قال الله تعالى : ( وجنة عرضها السماوات والأرض ) ويدل على هذا أنه روي ذكاة أمه بالنصب أي : يذكى ذكاة مثل ذكاة أمه اهـ . فإطلاق الجنين مجاز باعتبار كونه أولا . كقوله تعالى : ( وآتوا اليتامى أموالهم ) ( رواه أبو داود والدارمي ) أي : عن جابر .




الخدمات العلمية