الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
4524 - وعن أم قيس - رضي الله عنها - قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " على ما تدغرن أولادكن بهذا العلاق ؟ عليكن بهذا العود الهندي ؟ فإن فيه سبعة أشفية ، منها ذات الجنب يسعط من العذرة ، ويلد من ذات الجنب " . متفق عليه .

التالي السابق


4524 - ( وعن أم قيس - رضي الله عنها - ) : قال المؤلف : هي بنت محصن بكسر الميم وسكون الحاء المهملة وفتح الصاد المهملة فنون ، أسدية أخت عكاشة ، أسلمت بمكة قديما ، وبايعت النبي - صلى الله عليه وسلم - وهاجرت إلى المدينة اهـ . وهي التي ورد بسببها حديث : ( " ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها " ) فكان رجل تبعها في الهجرة وكان يسمى مهاجر أم قيس . ( قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : على ما تدغرن ) : بفتح الغين من الدغر وبفتح الدال وسكون عين معجمة فراء الدفع والغمز ، وما : استفهام في معنى الإنكار له ولنفعه ، والاستعمال الكثير على حذف الألف تخفيفا والأصل قليل ، ذكره الطيبي . وفي الجامع الصغير : علام يحذف الألف ، والمعنى على أي شيء تعالجن أولادكن وتغمزن حلوقهم ؟ فبهذا العلاق بضم أوله ، وفي بعض النسخ بفتحها ، وفي بعضها بكسرها والكل بمعنى العصر ، وقال بعض الشراح : هو بالكسر الداهية يعني لا تعصرن عذرة الأولاد بالشدة .

وبالضم ما تعصر به العذرة من أصبع أو غيرها أي لا تعصرن ( أولادكن ) : بأصبع ونحوها ، وفي رواية أخرى لمسلم ( بهذا العلاق ؟ ) : وهو الدغر . قال التوربشتي قوله : بهذا العلاق ؟ كذلك رواه البخاري ومسلم ، وفي كتاب مسلم أيضا بهذا الإعلاق ، وهو أولى الروايتين وأصوبهما ، ومن الدليل على صحة هذه الرواية قول أم قيس في بعض طرق هذا الحديث ، وقد أعلقت عليه ، وفسره يونس بن يزيد ، وهو الراوي عن ابن شهاب : أعلقت غمزت ، هذا لفظ كتاب مسلم . وقال النووي في شرح مسلم : العلاق بفتح العين ، وفي الرواية الأخرى الإعلاق وهو الأشهر عند أهل اللغة حتى زعموا أنه الصواب ، وإن العلاق لا يجوز قالوا : والأعلاق مصدر أعلقت عنه ، ومعناه أزالت العلوق : وهي الآفة والداهية ، قال ابن الأثير : يجوز أن يكون العلاق هو الاسم منه . قال الطيبي :

[ ص: 2866 ] وتوجيهه أن الكلام معنى الإنكار أي على أي شيء تعالجن بهذا الداء الداهية والمداواة الشنيعة اهـ . والمعنى على الإعلاق لم تعالجن هذه المعالجة الخشنة ؟ ( عليكن بهذا العود الهندي ) : أي بل عليكن في هذا الزمان باستعمال العود الهندي في عذرة أولادكن ، والإشارة بهذا إلى الجنس المستحضر في الذهن وفيه تصريح بأن المراد بالقسط البحري هو العود الهندي ، ويحتمل أن كلا منهما نافع ( فإن فيه ) : أي في هذا العود ( سبعة أشفية ) : جمع شفاء ( منها ذات الجنب ) : أي من تلك الأشفية شفاء ذات الجنب ، أو التقدير : فيه سبعة أشفية أدواء منها ذات الجنب ذكره الطيبي . وفي الجامع الصغير : سبعة أشفية من سبعة أدواء منها : ذات الجنب ، وخص بالذكر لأنه أصعب الأدواء ، وقلما يسلم منه من ابتلي له ذكره الطيبي ، والمراد هنا رياح غليظة في نواحي الجنب ، فإن العود الهندي إنما يداوى به الرياح وقوله : ( يسعط ) : بصيغة المجهول مخففا وروي مشددا وفي الجامع بسط به ، وهو مأخوذ من السوط ، وهو ما يصب في الأنف . بيان كيفية التداوي به أن يدق العود ناعما ، ويدخل في الأنف ، وقيل يبل ويقطر فيه .

( من العذرة ) : أي من أجلها ( ويلد ) : بصيغه المجهول وتشديد الدال المهملة : من لد الرجل إذا صب الدواء في أحد شقي الفم ، ومنه اللدود ، وفي الجامع من يلد له . ( من ذات الجنب ) : أي من أجلها ، وسكت - صلى الله عليه وسلم - عن خمسة منها لعدم الاحتياج إلى تفصيلها في ذلك الوقت ، فاقتصر على المهم والمناسب للمقام كما هو دأب أرباب بلغاء الكلام ، ولعل البقية كانت مشهورة عندهم معروفة فيما بينهم ، وقد سبق في القاموس بعض خواصه . قال النووي : قد اعترض من في قلبه مرض ، فقال الأطباء : مجمعون على أن مداواة ذات الجنب بالقسط مع ما فيه من الحرارة الشديدة خطر .

قال المازري : في هذا القول جهالة بينة وهو كما قال تعالى : بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ، وقد ذكر جالينوس وغيره : أن القسط ينفع من وجع الصدر ، وقال بعض القدماء من الأطباء : ويستعمل حيث يحتاج إلى أن يجذب الخلط من باطن البدن إلى ظاهره ، وهذا يبطل ما زعم المعترض الملحد ، وأما قوله : ففيه سبعة أشفية فقد أطبق الأطباء في كتبهم على أنه يدر الطمث والبول ، وينفع من السموم ، ويحرك شهوة الجماع ، ويقتل الدود ، وحب القرع في الأمعاء إذا شرب بعسل ، ويذهب الكلف إذا طلي عليه ، وينفع من برد المعدة والكبد ، ومن حمى الورد والربع ، وغير ذلك . وهو صنفان : بحري وهندي البحري هو القسط الأبيض ، والبحري أفضل من الهندي ، وأقل حرارة منه ، وإنما عددنا منافعه من كتب الأطباء لأنه - صلى الله عليه وسلم - ذكر منها عددا مجملا .

قال الطيبي : وذلك لأن السبعة تطلق ويراد بها الكثرة . ( متفق عليه ) . ورواه أحمد ، وأبو داود ، وابن ماجه ، عن أم قيس بنت محصن كذا في الجامع .




الخدمات العلمية