الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
4531 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " العين حق ، فلو كان شيء سابق القدر سبقته العين ، وإذا استغسلتم فاغسلوا " . رواه مسلم .

التالي السابق


4531 - ( وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : العين ) : أي : أثرها ( حق ) : وتحقيقه أن الشيء لا يعان إلا بعد كماله وكل كامل يعقبه النقص ولما كان ظهور القضاء بعد العين أضيف ذلك إليها ( فلو كان شيء سابق القدر ) : أي : غالبه في السبق ( سبقته العين ) : أي : لغلبته العين ، والمعنى : لو أمكن أن يسبق القدر شيء ، فيؤثر في إفناء شيء وزواله قبل أوانه المقدر له سبقت العين القدر ، وحاصله : أن لا هلاك ولا ضرر بغير القضاء والقدر ، ففيه مبالغة لكونها سببا في شدة ضررها ، ومذهب أهل السنة أن العين يفسد ويهلك عند نظر العائن بفعل الله تعالى أجرى العادة أن يخلق الضرر عند مقابلة هذا الشخص بشخص آخر . قال النووي : فيه إثبات القدر ، وأن الأشياء كلها بقدر الله تعالى .

قال الطيبي : المعنى أن فرض شيء له قوة وتأثير عظيم سبق القدر لكان عينا . والعين لا يسبق فكيف لغيرها ؟ وقال التوربشتي قوله : " العين حق " أي : الإصابة بالعين من جملة ما تحقق كونه ، وقوله : " ولو كان شيء سابق القدر " كالمؤكد للقول الأول ، وفيه تنبيه على سرعة نفوذها وتأثيرها في الذوات ، ( وإذا استغسلتم ) : بصيغة المجهول ( فاغسلوا ) : كانوا يرون أن يؤمر العائن فيغسل أطرافه وما تحت الإزار ، فتصب غسالته على المعيون يستشفون بذلك ، فأمرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - أن لا يمتنعوا عن الاغتسال إذا أريد منهم ذلك ، وأدى ما في ذلك دفع الوهم الحاصل من ذلك ، وليس لأحد أن ينكر الخواص المودعة في أمثال ذلك ، ويستبعدها من قدرة الله وحكمته ، لا سيما وقد شهد بها الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأمر بها ، وذلك مذكور في الحسان من هذا الباب من حديث أبي أمامة ذكره التوربشتي ، وسيأتي زيادة تحقيق لذلك في الحديث المذكور .

وفي شرح السنة ؟ روي أن عثمان - رضي الله عنه - رأى صبيا مليحا فقال : دسموا نونته كيلا تصيبه العين ، ومعنى دسموا : سودوا ، والنونة النقرة التي تكون في ذقن الصبي الصغير ، وروي عن هشام بن عروة أنه كان إذا رأى من ماله شيئا يعجبه أو دخل حائطا من حيطانه قال : ما شاء الله لا قوة إلا بالله إلى قوله : فعسى ربي أن يؤتيني خيرا من جنتك الآية .

وفي شرح مسلم للنووي قال المازري : العين حق ، لظاهر هذا الحديث ، وأنكره طائفة من المبتدعة ، والدليل على فساد قولهم : أن كل معنى لا يؤدي إلى قلب حقيقة ولا فساد دليل ، فإنه من مجوزات العقول ، فإذا أخبر الشرع بوقوعه وجب اعتقاده ولا يجوز تكذيبه . قلت : ولا فرق بين تكذيبهم هذا وتكذيبهم بالخبرية من أمور الآخرة . قال النووي : وقد زعم الطبيعيون المتتبعون العين : أن العائن ينبعث عن عينه قوة سمية تتصل بالمعين فتهلك أو تفسد . قالوا : ولا يمتنع هذا كما لا يمتنع انبعاث قوة سمية من الأفعى ، والعقرب تتصل باللديغ فتهلك ، وإن كان غير محسوس لنا .

[ ص: 2871 ] قال المازري : هذا غير مسلم لأنا بينا في الكتب الكلامية أن لا فاعل إلا الله ، وبينا فساد القول بالطبائع ، وأقرب الطرق ما قاله بعض من ينتحل الإسلام منهم لا يبعد أن ينبعث من العائن جواهر لطيفة غير مرئية من العين ، فتتصل بالمعين وتتخلل مسام جسمه ، فيخلق الله سبحانه وتعالى الهلاك عندها ، كما يخلق الهلاك عند شرب السموم عادة أجراها الله سبحانه وتعالى ، والمازري أحد جماهير العلماء ، وقد أطنب في إثباته الإمام فخر الدين الرازي في سورة يوسف عليه السلام عند قوله تعالى : وقال يابني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة فلينظر هناك من أراد زيادة الاطلاع عليه ( رواه مسلم ) وكذا أحمد ، وأما الجملة الأولى وهي " العين حق " فقد رواه أحمد ، والشيخان ، وأبو داود ، وابن ماجه ، عن أبي هريرة ، وابن ماجه أيضا عن عامر بن ربيعة . وفي رواية لأحمد ، والطبراني والحاكم عن ابن عباس : " العين حق تستنزل الحالق " أي : الجبل . وفي رواية ابن عدي وأبي نعيم في الحلية ، عن جابر ، وابن عدي ، عن أبي ذر أيضا : " العين تدخل الرجل القبر ، وتدخل الجمل القدر " . وفي رواية الكحجي في سننه عن أبي هريرة : " العين حق ويحضر بها الشيطان وحسد ابن آدم .




الخدمات العلمية