الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
4594 - وعنها قالت : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : إن الملائكة تنزل في العنان - وهو السحاب - فتذكر الأمر قضي في السماء ، فتسترق الشياطين السمع فتسمعه فتوحيه إلى الكهان ، فيكذبون معها مائة كذبة من عند أنفسهم " . رواه البخاري .

التالي السابق


4594 - ( وعنها ) أي : عن عائشة - رضي الله عنها - ( قالت : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : إن الملائكة ) أي : جماعة منهم ( تنزل في العنان ) : بفتح العين " وهو السحاب " . قال الطيبي : يحتمل أن يكون من قول الراوي تفسيرا للعنان ، فالسحاب مجاز عن السماء ، كما أن السماء مجاز عن السحاب في قوله تعالى : وأنزلنا من السماء ماء في وجه . قلت : ارتكاب المجاز في الآية له وجه ، وأما ارتكابه في الحديث فلا يظهر له وجه ، إذ لا يعدل عن الحقيقة إلى المجاز إلا لضرورة ، مع أنه يؤول الكلام إلى أن الملائكة تنزل في السماء ، اللهم إلا أن يراد سماء الدنيا على أن سماع الجني من الملائكة في السحاب أقرب ، فهو بالاعتبار أنسب ، وهذا لا ينافيه قوله : وأصل ذلك أن الملائكة تسمع في السماء ما يقضي الله تعالى في كل يوم من الحوادث في الدنيا فيحدث بعضهم بعضا فيسترقه الشيطان ، فيلقيه إلى الكهان ، ويشهد له حديث أبي هريرة في أول الفصل الثالث ، وما روى أبو داود عن ابن مسعود قال : إذا تكلم الله عز وجل بالوحي سمع أهل السماء صلصلة كجر السلسلة على الصفا ، فيصعقون ، فلا يزالون كذلك حتى يأتيهم جبريل ، فإذا جاء جبريل فزع عن قلوبهم فيقولون : يا جبريل ! ماذا قال ربكم ؟ فيقول : الحق اهـ .

( فتذكر ) أي : الملائكة ( الأمر قضي ) : بصيغة المجهول حال أو صفة على أن ال في الأمر للعهد الذهني أو صلة الموصول المحذوف ، أي : الأمر الذي قضى الله في كل يوم من الحوادث في الدنيا ، وقوله : ( في السماء ) ظرف لقضي لا لتذكر ، ففيه دلالة صريحة على أن المراد بالعنان السحاب ، إذ لا معنى لقوله : إن الملائكة تنزل من

[ ص: 2905 ] السماء فتذكر الأمر الذي قضي في السماء ، بل المعنى أن الملائكة ينزلوا من السماء في السحاب ، فيحكي بعضهم لبعض الأمور التي قضيت في السماء ، وسمعوا حال كونهم فيها ( فتسترق الشياطين السمع ) أي : مسموع الملائكة ( فتسمعه ) أي : الشياطين أولا ( فتوحيه ) أي : فتلقيه ( إلى الكهان ) من الإيحاء وهو " الإعلام بالخفية " ، وعن الزجاج : أن الإيماء يسمى وحيا . ( فيكذبون ) أي : الكهان ( معها ) أي : مع الكلمة الصادقة الواحدة ( مائة كذبة ، من عند أنفسهم ) . والمعنى : أن هذا سبب موافقتهم في بعض الأخبار للواقع ، لكن لما كان الغالب عليهم الكذب سد الشارع باب الاستفادة منهم ، وقال : إنهم ليسوا بشيء ولهذا ما اعتبر شهادة الكاذب مع أن الكذوب قد يصدق ، والله أعلم . ( رواه البخاري ) .




الخدمات العلمية