الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
4596 - وعن زيد بن خالد الجهني - رضي الله عنه - قال : صلى لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الصبح بالحديبية على أثر سماء كانت من الليل ، فلما انصرف أقبل على الناس ، فقال : " هل تدرون ماذا قال ربكم ؟ " قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : " قال : أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر ، فأما من قال : مطرنا بفضل الله ورحمته ، فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب ، وأما من قال : مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب " . متفق عليه .

التالي السابق


4596 - ( وعن زيد بن خالد الجهني ) - رضي الله تعالى عنه - منسوب إلى قبيلة جهينة بضم ففتح ، وهو غير مذكور في أسماء المؤلف . ( قال : صلى لنا ) أي : إماما ( رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الصبح بالحديبية ) : بالتخفيف ويشدد ( على أثر سماء ) أي : عقب مطر ، وهو بفتح الهمزة والمثلثة ، وفي نسخة بكسر فسكون . قالالنووي : هو بكسر الهمزة وإسكان الثاء وفتحهما جميعا لغتان مشهورتان والسماء المطر اهـ . وفي القاموس : خرج في إثره ، وأثره : بعده ، وقال السماء معلوم والسحاب المطر أو المطرة الجيدة . ( كانت ) أي : كان المطر وتأنيثه باعتبار معنى الرحمة أو لفظ السماء ، والجملة صفة سماء . وقوله : ( من الليل ) ظرف لها أي : في بعض أجزائه وأوقاته ( فلما انصرف ) أي : عن الصلاة ( أقبل على الناس فقال : هل تدرون ماذا ) أي : أي شيء ( قال ربكم ؟ ) أي : في هذا الوقت ( قالوا : الله ورسوله أعلم . قال ) أي : النبي - صلى الله عليه وسلم - ( قال ) أي : سبحانه وتعالى ( أصبح ) أي : الشأن ( من عبادي ) أي : بعضهم ( مؤمن بي ) : فمن للتبعيض ، وهو مبتدأ وما بعده خبره ( وكافر ) أي : بي كما في نسخة يعني : وبعضهم كافر بي ، أو التقدير بعضهم مؤمن بي وكافر بغيري ، وبعضهم كافر بي ومؤمن بغيري ، وترك اكتفاء بتفصيل المجمل ، وهو قوله : ( فأما من قال : مطرنا بفضل الله ورحمته ، فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب ، وأما من قال : مطرنا بنوء كذا وكذا ) أي : بسقوط نجم وطلوع نظيره على ما سبق ( فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب ) .

قال الطيبي : هدا تفصيل للمجمل ، وهو قوله : مؤمن بي وكافر ، ولا بد من تقدير فيه ليطابقه المفصل ، فالتقدير مؤمن بي وكافر بالكوكب ، وكافر بي ومؤمن بالكواكب ، فهو من باب الجمع مع التقسيم . وفي الكشاف قيل : نزل قوله تعالى : وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون أي : وتجعلون شكر ما رزقكم الله من الغيث أنكم تكذبون كونه من الله حيث تنسبونه إلى النجوم .

قال النووي : واختلفوا في كفر من قال : مطرنا بنوء كذا على قولين : أحدهما : هو كفر بالله سبحانه سالب لأصل الإيمان ، وفيه وجهان : أحدهما : أنه من قاله معتقدا بأن الكوكب فاعل مدبر منشئ للمطر كزعم أهل الجاهلية ، فلا شك في كفره ، وهو قول الشافعي والجماهير ، وثانيهما : أنه من قال معتقدا بأنه من الله تعالى بفضله ، وأن النوء علامة له ومظنة بنزول الغيث ، فهذا لا يكفر لأنه بقوله هذا كأنه قال : مطرنا في وقت كذا ، والأظهر أنه مكروه كراهة تنزيه ; لأنه كلمة موهمة مترددة بين الكفر والإيمان ، فيساء الظن بصاحبها ; ولأنها شعار أهل الجاهلية . والقول الثاني : كفران لنعمة الله تعالى لاقتصاره على إضافة الغيث إلى الكوكب ، ويؤيد هذا التأويل الرواية " الأخرى : أصبح من الناس شاكرا وكافرا ، وفي أخرى : ما أنعمت على عبادي من نعمة إلا أصبح فريق بها كافرين . ( متفق عليه ) .




الخدمات العلمية