الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
466 - وعن نافع ، قال : انطلقت مع ابن عمر في حاجة ، فقضى ابن عمر حاجته ، وكان من حديثه يومئذ أن قال : مر رجل في سكة من السكك ، فلقي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد خرج من غائط أو بول ، فسلم عليه فلم يرد عليه ، حتى إذا كاد الرجل أن يتوارى في السكة ، ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيديه على الحائط ، ومسح بهما وجهه ، ثم ضرب ضربة أخرى ، فمسح ذراعيه ، ثم رد على الرجل السلام ، وقال : " إنه لم يمنعني أن أرد عليك السلام إلا أني لم أكن على طهر ) . رواه أبو داود .

التالي السابق


466 - ( وعن نافع ) : أي : مولى ابن عمر ( قال : انطلقت ) : أي : ذهبت ( مع ابن عمر ) أي : عبد الله ( في حاجة ) : حال من المضاف إليه أي : في شأن حاجة له ، والتنكر فيها للشيوع ، ولعل ما بعدها يقيدها بقضاء الحاجة ( فقضى ابن عمر حاجته ) : أي : الإنسانية ، وهي التبرز على ما هو الظاهر من سياق الحديث المتعلق بقضاء حاجته عليه الصلاة والسلام ، ويحتمل أن المراد بها حاجة أخرى ، وأنه ذكر ما يأتي استطرادا ، ( وكان من حديثه ) : أي : من جملة حديث ابن عمر الذي حدثه ( يومئذ أن قال ) أي : ابن عمر ، وأن مع مدخوله في تأويل المصدر أي : كان من جملة قوله في ذلك الوقت قوله : ( مر رجل ) : قيل هو المهاجر بن قنفذ بن عبد المطلب ( في سكة من السكك ) : أي : الطرق ( فلقي ) : أي الرجل ( رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد خرج ) : أي : رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من غائط أو بول ) : أي : فرغ ; لأن الخروج بعد الفراغ أو خرج من محلهما ( فسلم ) : أي : الرجل ( عليه ) : عليه الصلاة والسلام ( فلم يرد ) : أي : النبي ( عليه ) : أي : على الرجل ، وفي نسخة : السلام ( حتى إذا كاد ) : أي ( قارب الرجل أن يتوارى ) : أي : يختفي ويغيب شخصه ( في السكة ، ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ) : جواب إذا ، وحتى هي الداخلة على الجملة الشرطية ( بيديه على الحائط ) : قال الطيبي : ولعله علاه الغبار ، وليصح به التيمم عند الشافعي ، وإلا فهو صحيح عند أبي حنيفة ا هـ . وفي آخر كلامه حزازة لا تخفى ، ( ومسح بهما وجهه ، ثم ضرب ضربة أخرى ، فمسح ذراعيه ، ثم رد على الرجل السلام ) : قال في شرح السنة : فيه أن رد السلام وإن كان واجبا ، فالمسلم على الرجل في هذه الحالة مضيع حظ نفسه ، فلا يستحق الجواب ، وفيه دليل على كراهية الكلام على قضاء الحاجة ، وعلى أن التيمم في الحضر لرد السلام مشروع ا هـ .

وفيه بحثان : أما أولا : فقوله : فلا يستحق الجواب مدفوع بأنه استحق الجواب ، ولهذا أجاب ، والفصل اليسير بين السلام ورده لا يضره ، وأما ثانيا فلأن السلام والكلام كلاهما وقع بعد الفراغ ، ثم رأيت ابن حجر تعقب الشارح بمثل ما ذكرته . ( وقال : " إنه " ) أي : الشأن ( " لم يمنعني أن أرد عليك السلام إلا أني لم أكن على طهر " ) : قال بعض الشراح : هذا الحديث يدل على استحباب ذكر الله بالوضوء أو التيمم ; لأن السلام من أسماء الله تعالى

[ ص: 443 ] أي : في الأصل ، فإن المراد هنا السلامة . قال ابن الملك : والتوفيق بين هذا وحديث علي أنه صلى الله عليه وسلم كان يخرج من الخلاء فيقرئنا القرآن ; أنه صلى الله عليه وسلم أخذ في ذلك بالرخصة تيسيرا على الأمة ، وفي هذا بالعزيمة ; أي : تعليما لهم بالأفضل . وقال المظهر : فيه دليل على أن من قصر في رد جواب السلام بعذر يستحب أن يعتذر عنه حتى لا ينسب إلى الكبر أو العداوة ، وعلى وجوب رد السلام ; لأن تأخيره للعذر يؤذن بوجوبه .

قلت : وفي الحديث دليل على جواز التيمم ; لخوف فوت ما يفوت لا إلى خلف كصلاة الجنازة والعيد ، ولم أر من استدل به من علمائنا . ( رواه أبو داود ) : من حديث محمد بن ثابت العبدي ، عن نافع ، عن ابن عمر ، وقد أنكر البخاري رفع هذا الحديث على محمد بن ثابت . قال البيهقي : رفعه غير منكر ، وقال الخطابي : حديث ابن عمر لا يصح ; لأن محمد بن ثابت العبدي ضعيف جدا لا يحتج به ، نقله السيد عن التخريج ، فقول ابن حجر : وسنده حسن غير مستحسن إلا أن يقال - مراده حسن لغيره .




الخدمات العلمية