الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
4827 - وعن المقداد بن الأسود - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا رأيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب " . رواه مسلم .

التالي السابق


4827 - ( وعن المقداد بن الأسود - رضي الله عنه - ) : قال المؤلف : هو المقداد بن عمرو الكندي ، وذلك أن أباه خالف كندة فنسب إليها ، وإنما سمي ابن الأسود لأنه كان حليفه ، أو لأنه كان في حجره ، وقيل : بل كان عبدا فتبناه . وكان سادسا في الإسلام ، روى عنه علي وطارق بن شهاب وغيرهما ، مات بالجرف على ثلاثة أميال من المدينة ، فحمل على رقاب الناس ودفن بالبقيع سنة ثلاث وثلاثين وهو ابن سبعين سنة . ( قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا رأيتم المداحين ) أي : المبالغين في المدح متوجهين إليكم طمعا سواء يكون نثرا أو نظما ( فاحثوا ) : بهمزة وصل وضم مثلثة أي : ارموا ( في وجوههم ) : وفي نسخة في أفواههم ( التراب ) : قيل : يؤخذ التراب ويرمى به في وجه المداح عملا بظاهر الحديث ، وقيل : معناه الأمر بدفع المال إليهم ، إذ المال حقير كالتراب بالنسبة إلى العرض في كل باب أي : أعطوهم إياه واقطعوا به ألسنتهم لئلا يهجوكم ، وقيل : معناه أعطوهم عطاء قليلا فشبهه لقلته بالتراب ، وقيل : المراد منه أن يخيب المادح ولا يعطيه شيئا لمدحه ، والمراد زجر المادح والحث على منعه من المدح ؛ لأنه يجعل الشخص مغرورا ومتكبرا . قال الخطابي : المداحون هم الذين اتخذوا مدح الناس عادة ، وجعلوه بضاعة يستأكلون به الممدوح ، فأما من مدح الرجل على الفعل الحسن والأمر المحمود ، يكون منه ترغيبا له في أمثاله ، وتحريضا للناس على الاقتداء في أشباهه فليس بمداح ، وفي شرح السنة : قد استعمل المقداد الحديث على ظاهره في تناول عين التراب وحثيه في وجه المادح ، وقد يتأول على أن يكون معناه الخيبة والحرمان أي : من تعرض لكم بالثناء والمدح فلا تعطوه واحرموه ، كنى بالتراب عن الحرمان كقولهم : ما في يده غير التراب ، وكقوله صلى الله عليه وسلم : " إذا جاءك يطلب ثمن الكلب فاملأ كفه ترابا " ، وفي الجملة المدح والثناء على الرجل مكروه ؛ لأنه قلما يسلم المادح عن كذب يقوله في مدحه ، وقلما يسلم الممدوح من عجب يدخله . ( رواه مسلم ) . ورواه أحمد في مسنده ، والبخاري في الأدب ، وأبو داود ، والترمذي عن المقداد ، والطبراني والبيهقي عن ابن عمر ، والحاكم في الكنى عن أنس ، ولفظ الجامع الصغير : " احثوا التراب في وجوه المداحين " رواه الترمذي عن أبي هريرة ، وابن عدي في الكامل ، وأبو نعيم في الحلية عن ابن عمر . وفي رواية ابن ماجه عن المقداد " احثوا في أفواه المداحين التراب " ، وكذلك رواه ابن حبان عن ابن عمر ، وكذا ابن عساكر عن عبادة بن الصامت .




الخدمات العلمية