[ ] ( و ) جملة الكلام فيه أنا نقول : ( المتن ) الصالح للحجة ( إن نافاه ) بحسب الظاهر ( متن آخر ) مثله ، ( وأمكن الجمع ) بينهما بوجه [ ص: 68 ] صحيح زال به التعارض ، ( فلا تنافر ) بينهما حينئذ ، بل يصار إليهما ويعمل بهما معا . وأمثلته كثيرة ، ( كمتن لا يورد ) بكسر الراء ، ( ممرض ) ، بضم أوله وسكون ثانيه وكسر ثالثه ، اسم فاعل من أمرض الرجل : إذا أصاب ماشيته مرض ، ( على مصح ) اسم فاعل أيضا من أصح : إذا أصابت ماشيته عاهة ثم ذهبت عنها وصحت . الموازي لمعنى متن : ( مختلف الحديث وأمثلته ) ، ( مع ) بالسكون متن : ( لا عدوى ولا طيرة ) ، وكلها في الصحيح ، فظاهرها التنافر ، ومنافاة الأخير للأولين ، حتى بالغ فر من المجذوم فرارك من الأسد وغيره ، وزعموا النسخ في الأولين ، ولكن الجمع بينهما ممكن كما قال أبو حفص بن شاهين تبعا لغيره . ابن الصلاح
( فالنفي ) في قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( لا عدوى ) ( للطبع ) ; أي : لما كان يعتقده أهل الجاهلية وبعض الحكماء من أن هذه الأمراض من الجذام والبرص تعدي بالطبع ; ولهذا قال : ( فمن أعدى الأول ؟ ) ; أي : أن الله هو الخالق لذلك بسبب وغير سبب .
( و ) الأمر بالفرار في قوله : ( فر ) ، والنهي في : ( لا يورد ) ; لخوف من وجود المخالطة والمماسة الذي قد يخلق الله عنده - لا به - الداء في الصحيح غالبا ، وإلا فقد يتخلف كما هو المشاهد في بعض المخالطين ، بل نشاهد من يجتهد في التحرز من المخالطة والمماسة يؤخذ بذلك المرض ، إلى غير ذلك من المسالك التي سلكها الأئمة في الجمع ، أحدها - وعليه نقتصر - ما ذهب إليه أبو عبيد [ ص: 69 ] وجماعة ; كابن خزيمة ، واختاره شيخنا فقال في ( توضيح النخبة ) : والأولى في الجمع بينهما أن يقال : إن نفيه - صلى الله عليه وسلم - للعدوى على عمومه ، وقد صح قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( والطحاوي ) ، وقوله - صلى الله عليه وسلم - لمن عارضه بأن البعير الأجرب يكون في الإبل الصحيحة فيخالطها فتجرب ، حيث رد عليه بقوله : ( لا يعدي شيء شيئا ) ، يعني أن الله سبحانه وتعالى ابتدأ ذلك في الثاني كما ابتدأه في الأول . وأما الأمر بالفرار من المجذوم فمن باب سد الذرائع ; لئلا يتفق للشخص الذي يخالطه شيء من ذلك بتقدير الله تعالى ابتداء ، لا بالعدوى المنفية ، فيظن أن ذلك بسبب مخالطته ، فيعتقد صحة العدوى ، فيقع في الحرج ، فأمر بتجنبه حسما للمادة . فمن أعدى الأول ؟
وعبارة أبي عبيد : ليس في قوله : ( ) إثبات العدوى ; بل لأن الصحاح لو مرضت بتقدير الله تعالى ربما وقع في نفس صاحبها أن ذلك من العدوى فيفتتن ويتشكك في ذلك ، فأمر باجتنابه . قال : وكان بعض الناس يذهب إلى أن الأمر بالاجتناب إنما هو للمخافة على الصحيحة من ذوات العاهة . قال : وهذا شر ما حمل عليه الحديث ; لأن فيه إثبات العدوى التي نفاها الشارع ، ولكن وجه الحديث عندي ما ذكرته . لا يورد ممرض على مصح
( أو لا ) ; أي : وإن لم يمكن الجمع بين المتنين المختلفين واستمر التنافي على ظاهره ، وذلك على ضربين ، ( فإن نسخ بدا ) ; أي : ظهر طريق من الطرق المشروحة في بابه ، ( فاعمل به ) ; أي : بمقتضاه في الاحتجاج وغيره . ( أو لا ) ; أي : وإن لم يبد نسخ ، ( فرجح ) أحد المتنين بوجه من وجوه الترجيحات التي تتعلق بالمتن أو بالإسناد ; كالترجيح بكثرة الرواة أو بصفاتهم . وقد سرد منها الحازمي في كتابه ( الناسخ والمنسوخ ) خمسين مع [ ص: 70 ] إشارته إلى زيادتها على ذلك . وهو كذلك ; فقد زادها الأصوليون في باب معقود لها أكثر من خمسين أيضا ، أورد جميعها المؤلف في النكت على ، فلا نطيل بإيرادها . ابن الصلاح
( واعملن ) بنون التوكيد الخفيفة بعد النظر في المرجحات ( بالأشبه ) ; أي : بالأرجح منهما ، وإن لم يجد المجتهد مرجحا توقف عن العمل بأحد المتنين حتى يظهر . وقيل : يهجم فيفتي بواحد منهما ، أو يفتي بهذا في وقت ، وبهذا في آخر ، كما يفعل أحمد ، وذلك غالبا سبب اختلاف روايات أصحابه عنه .
قال شيخنا : فصار ما ظاهره التعارض واقعا على هذا الترتيب : الجمع إن أمكن ، فاعتبار الناسخ والمنسوخ ، فالترجيح إن تعين ، ثم التوقف عن العمل بأحد الحديثين . والتعبير بالتوقف أولى من التعبير بالتساقط ; لأن خفاء ترجيح أحدهما على الآخر إنما هو بالنسبة للمعتبر في الحالة الراهنة ، مع احتمال أن يظهر لغيره ما خفي عليه ، وفوق كل ذي علم عليم . وإذا لم يكن للمتن ما ينافيه ، بل سلم من مجيء خبر يضاده فهو المحكم ، وأمثلته كثيرة .