و ( قيل : لا ) يحكم بعدالة ( من دخلا ) منهم ( في فتنة ) من الفتن الواقعة من حين مقتل
عثمان - رضي الله عنه - ; كالجمل وصفين ، من الفريقين إلا بعد البحث عنها . وعن بعضهم ردهم ، كأنه مطلقا . وقيل : يقبل الداخل فيها إذا انفرد ; لأن الأصل العدالة ، وشككنا في ضدها ، ولا تقبل مع مخالفه ; لتحقق إبطال أحدهما من غير تعيين . وقيل : إن القول بالعدالة يخص بمن اشتهر منهم ، ومن عداهم كسائر الناس فيهم العدول وغيرهم . قال
المازري في ( شرح البرهان ) : لسنا نعني بقولنا :
nindex.php?page=treesubj&link=29176_28811الصحابة عدول ، كل من رآه - صلى الله عليه وسلم - يوما ما ، أو زاره أو اجتمع به لغرض وانصرف عن قريب ، وإنما نعني به الذين لازموه وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه ، فأولئك كما قال الله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=5هم المفلحون ) . ولم يوافق
المازري على ذلك ; ولذا اعترضه غير واحد . وقال
العلائي : إنه قول غريب يخرج كثيرا من المشهورين بالصحبة والرواية عن الحكم بالعدالة ;
nindex.php?page=showalam&ids=101كوائل بن حجر ومالك بن الحويرث nindex.php?page=showalam&ids=61وعثمان بن أبي العاص ، وغيرهم ممن وفد عليه - صلى الله عليه وسلم - ولم يقم عنده إلا قليلا وانصرف ، وكذلك من لا يعرف إلا برواية الحديث الواحد ، أو لم يعرف مقدار إقامته من أعراب القبائل .
قال شيخنا : وقد كان تعظيم الصحابة ، ولو كان اجتماعهم به - صلى الله عليه وسلم - قليلا ، مقررا عند الخلفاء الراشدين وغيرهم ، ثم ساق بسند رجاله ثقات عن
nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري ، أنه كان متكئا فذكر من عنده
عليا ومعاوية رضي الله عنهما ، فتناول رجل
معاوية ، فاستوى جالسا ثم قال : ( كنا ننزل رفاقا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فكنا في رفقة فيها
[ ص: 100 ] أبو بكر ، فنزلنا على أهل أبيات ، وفيهم امرأة حبلى ، ومعنا رجل من أهل البادية ، فقال للمرأة الحامل : أيسرك أن تلدي غلاما ؟ قالت : نعم ، فقال : إن أعطيتني شاة ولدت غلاما . فأعطته ، فسجع لها أسجاعا ثم عمد إلى الشاة فذبحها وطبخها ، وجلسنا نأكل منها ومعنا
أبو بكر ، فلما علم بالقصة قام فتقيأ كل شيء أكل . قال : ثم رأيت ذلك البدوي قد أتى به
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب وقد هجا
الأنصار ، فقال لهم
عمر : لولا أن له صحبة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما أدري ما نال فيها لكفيتكموه ، ولكن له صحبة . قال : فتوقف
عمر عن معاتبته ، فضلا عن معاقبته ; لكونه علم أنه لقي النبي - صلى الله عليه وسلم - . وفي ذلك أبين شاهد على أنهم كانوا يعتقدون أن شأن الصحبة لا يعدله شيء ، كما ثبت في حديث
أبي سعيد الماضي . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد بعد ذكر العشرة
والمهاجرين والأنصار : ثم أفضل الناس بعد هؤلاء أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ; القرن الذي بعث فيهم ، كل من صحبه سنة أو شهرا أو يوما أو ساعة أو رآه فهو من أصحابه ، له من الصحبة على قدر ما صحبه ، وكانت سابقته معه ، وسمع منه ، ونظر إليه نظرة . فأدناهم صحبة هو أفضل من القرن الذين لم يروه ، ولو لقوا الله بجميع الأعمال كان هؤلاء الذين صحبوا النبي - صلى الله عليه وسلم - ورأوه وسمعوا منه وآمنوا به ولو ساعة أفضل بصحبته من التابعين ، ولو عملوا كل أعمال الخير .
وبالجملة ، فما قاله
المازري منتقد ، بل كل ما عدا المذهب الأول القائل بالتعميم باطل ، والأول هو الصحيح ، بل الصواب المعتبر ، وعليه الجمهور كما قال
nindex.php?page=showalam&ids=14552الآمدي وابن الحاجب ; يعني من السلف والخلف . زاد
nindex.php?page=showalam&ids=14552الآمدي : وهو المختار . وحكى
nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر في ( الاستيعاب ) إجماع أهل الحق من المسلمين ، وهم
أهل السنة والجماعة ، عليه ، سواء من لم يلابس الفتن منهم أو لابسها ; إحسانا للظن بهم ، وحملا لهم في ذلك على الاجتهاد ، فتلك أمور مبناها عليه ، وكل
[ ص: 101 ] مجتهد مصيب ، أو المصيب واحد ، والمخطئ معذور ، بل مأجور .
وَ ( قِيلَ : لَا ) يُحْكَمُ بِعَدَالَةٍ ( مَنْ دَخَلَا ) مِنْهُمْ ( فِي فِتْنَةٍ ) مِنَ الْفِتَنِ الْوَاقِعَةِ مِنْ حِينِ مَقْتَلِ
عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ; كَالْجَمَلِ وَصِفِّينَ ، مِنَ الْفَرِيقَيْنِ إِلَّا بَعْدَ الْبَحْثِ عَنْهَا . وَعَنْ بَعْضِهِمْ رَدُّهُمْ ، كَأَنَّهُ مُطْلَقًا . وَقِيلَ : يُقْبَلُ الدَّاخِلُ فِيهَا إِذَا انْفَرَدَ ; لِأَنَّ الْأَصْلَ الْعَدَالَةُ ، وَشَكَكْنَا فِي ضِدِّهَا ، وَلَا تُقْبَلُ مَعَ مُخَالِفِهِ ; لِتَحَقُّقِ إِبْطَالِ أَحَدِهِمَا مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ . وَقِيلَ : إِنَّ الْقَوْلَ بِالْعَدَالَةِ يُخَصُّ بِمَنِ اشْتَهَرَ مِنْهُمْ ، وَمَنْ عَدَاهُمْ كَسَائِرِ النَّاسِ فِيهِمُ الْعُدُولُ وَغَيْرُهُمْ . قَالَ
الْمَازَرِيُّ فِي ( شَرْحِ الْبُرْهَانِ ) : لَسْنَا نَعْنِي بِقَوْلِنَا :
nindex.php?page=treesubj&link=29176_28811الصَّحَابَةُ عُدُولٌ ، كُلَّ مَنْ رَآهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمًا مَا ، أَوْ زَارَهُ أَوِ اجْتَمَعَ بِهِ لِغَرَضٍ وَانْصَرَفَ عَنْ قَرِيبٍ ، وَإِنَّمَا نَعْنِي بِهِ الَّذِينَ لَازَمُوهُ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ ، فَأُولَئِكَ كَمَا قَالَ اللَّهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=5هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) . وَلَمْ يُوَافَقِ
الْمَازَرِيُّ عَلَى ذَلِكَ ; وَلِذَا اعْتَرَضَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ . وَقَالَ
الْعَلَائِيُّ : إِنَّهُ قَوْلٌ غَرِيبٌ يُخْرِجُ كَثِيرًا مِنَ الْمَشْهُورِينَ بِالصُّحْبَةِ وَالرِّوَايَةِ عَنِ الْحُكْمِ بِالْعَدَالَةِ ;
nindex.php?page=showalam&ids=101كَوَائِلِ بْنِ حُجْرٍ وَمَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ nindex.php?page=showalam&ids=61وَعُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ ، وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ وَفَدَ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يُقِمْ عِنْدَهُ إِلَّا قَلِيلًا وَانْصَرَفَ ، وَكَذَلِكَ مَنْ لَا يُعْرَفُ إِلَّا بِرِوَايَةِ الْحَدِيثِ الْوَاحِدِ ، أَوْ لَمْ يُعْرَفْ مِقْدَارُ إِقَامَتِهِ مِنْ أَعْرَابِ الْقَبَائِلِ .
قَالَ شَيْخُنَا : وَقَدْ كَانَ تَعْظِيمُ الصَّحَابَةِ ، وَلَوْ كَانَ اجْتِمَاعُهُمْ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَلِيلًا ، مُقَرَّرًا عِنْدَ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَغَيْرِهِمْ ، ثُمَّ سَاقَ بِسَنَدٍ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=44أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، أَنَّهُ كَانَ مُتَّكِئًا فَذَكَرَ مَنْ عِنْدَهُ
عَلِيًّا وَمُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، فَتَنَاوَلَ رَجُلٌ
مُعَاوِيَةَ ، فَاسْتَوَى جَالِسًا ثُمَّ قَالَ : ( كُنَّا نَنْزِلُ رِفَاقًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، فَكُنَّا فِي رُفْقَةٍ فِيهَا
[ ص: 100 ] أَبُو بَكْرٍ ، فَنَزَلْنَا عَلَى أَهْلِ أَبْيَاتٍ ، وَفِيهِمُ امْرَأَةٌ حُبْلَى ، وَمَعَنَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ ، فَقَالَ لِلْمَرْأَةِ الْحَامِلِ : أَيَسُرُّكِ أَنْ تَلِدِي غُلَامًا ؟ قَالَتْ : نَعَمْ ، فَقَالَ : إِنْ أَعْطَيْتِنِي شَاةً وَلَدْتِ غُلَامًا . فَأَعْطَتْهُ ، فَسَجَعَ لَهَا أَسْجَاعًا ثُمَّ عَمَدَ إِلَى الشَّاةِ فَذَبَحَهَا وَطَبَخَهَا ، وَجَلَسْنَا نَأْكُلُ مِنْهَا وَمَعَنَا
أَبُو بَكْرٍ ، فَلَمَّا عَلِمَ بِالْقِصَّةِ قَامَ فَتَقَيَّأَ كُلَّ شَيْءٍ أَكَلَ . قَالَ : ثُمَّ رَأَيْتُ ذَلِكَ الْبَدَوِيَّ قَدْ أَتَى بِهِ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَقَدْ هَجَا
الْأَنْصَارَ ، فَقَالَ لَهُمْ
عُمَرُ : لَوْلَا أَنَّ لَهُ صُحْبَةً مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا أَدْرِي مَا نَالَ فِيهَا لَكَفَيْتُكُمُوهُ ، وَلَكِنَّ لَهُ صُحْبَةً . قَالَ : فَتَوَقَّفَ
عُمَرُ عَنْ مُعَاتَبَتِهِ ، فَضْلًا عَنْ مُعَاقَبَتِهِ ; لِكَوْنِهِ عَلِمَ أَنَّهُ لَقِيَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - . وَفِي ذَلِكَ أَبْيَنُ شَاهِدٍ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا يَعْتَقِدُونَ أَنَّ شَأْنَ الصُّحْبَةِ لَا يَعْدِلُهُ شَيْءٌ ، كَمَا ثَبَتَ فِي حَدِيثِ
أَبِي سَعِيدٍ الْمَاضِي . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12251الْإِمَامُ أَحْمَدُ بَعْدَ ذِكْرِ الْعَشَرَةِ
وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ : ثُمَّ أَفْضَلُ النَّاسِ بَعْدَ هَؤُلَاءِ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ; الْقَرْنُ الَّذِي بُعِثَ فِيهِمْ ، كُلُّ مَنْ صَحِبَهُ سَنَةً أَوْ شَهْرًا أَوْ يَوْمًا أَوْ سَاعَةً أَوْ رَآهُ فَهُوَ مِنْ أَصْحَابِهِ ، لَهُ مِنَ الصُّحْبَةِ عَلَى قَدْرِ مَا صَحِبَهُ ، وَكَانَتْ سَابِقَتُهُ مَعَهُ ، وَسَمِعَ مِنْهُ ، وَنَظَرَ إِلَيْهِ نَظْرَةً . فَأَدْنَاهُمْ صُحْبَةً هُوَ أَفْضَلُ مِنَ الْقَرْنِ الَّذِينَ لَمْ يَرَوْهُ ، وَلَوْ لَقُوا اللَّهَ بِجَمِيعِ الْأَعْمَالِ كَانَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ صَحِبُوا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَأَوْهُ وَسَمِعُوا مِنْهُ وَآمَنُوا بِهِ وَلَوْ سَاعَةً أَفْضَلَ بِصُحْبَتِهِ مِنَ التَّابِعِينَ ، وَلَوْ عَمِلُوا كُلَّ أَعْمَالِ الْخَيْرِ .
وَبِالْجُمْلَةِ ، فَمَا قَالَهُ
الْمَازَرِيُّ مُنْتَقَدٌ ، بَلْ كُلٌّ مَا عَدَا الْمَذْهَبَ الْأَوَّلَ الْقَائِلَ بِالتَّعْمِيمِ بَاطِلٌ ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحُ ، بَلِ الصَّوَابُ الْمُعْتَبَرُ ، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ كَمَا قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14552الْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ ; يَعْنِي مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ . زَادَ
nindex.php?page=showalam&ids=14552الْآمِدِيُّ : وَهُوَ الْمُخْتَارُ . وَحَكَى
nindex.php?page=showalam&ids=13332ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي ( الِاسْتِيعَابِ ) إِجْمَاعَ أَهْلِ الْحَقِّ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ، وَهُمْ
أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ ، عَلَيْهِ ، سَوَاءٌ مَنْ لَمْ يُلَابِسِ الْفِتَنَ مِنْهُمْ أَوْ لَابَسَهَا ; إِحْسَانًا لِلظَّنِّ بِهِمْ ، وَحَمْلًا لَهُمْ فِي ذَلِكَ عَلَى الِاجْتِهَادِ ، فَتِلْكَ أُمُورٌ مَبْنَاهَا عَلَيْهِ ، وَكُلُّ
[ ص: 101 ] مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ ، أَوِ الْمُصِيبُ وَاحِدٌ ، وَالْمُخْطِئُ مَعْذُورٌ ، بَلْ مَأْجُورٌ .