الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

فتح المغيث بشرح ألفية الحديث للعراقي

السخاوي - شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي

صفحة جزء
ولما تم أصحاب الكتب ; أصول الإسلام ، أردف بأئمة انتفع بتصانيفهم مع ما أضيف إليهم من نمطهم ( ثم لـ ) مضي ( خمس وثمانين ) عاما من القرن الرابع ( تفي ) بدون نقص ، وذلك في يوم الأربعاء لثمان خلون من ذي القعدة مات ( الدارقطني ) بفتح الراء وإسكان آخره ، نسبة لدار القطن ، وكانت محلة كبيرة ببغداد ، البغدادي الشافعي ، وهو الحافظ الفقيه أبو الحسن علي بن عمر صاحب السنن والعلل وغيرهما ، أرخه عبد العزيز الأزجي ودفن قريبا من قبر معروف الكرخي ، ومولده كما قاله عبد الملك بن بشران : في سنة ست وثلاثمائة زاد غيره : في ذي القعدة أيضا ، فعاش تسعا وسبعين سنة .

( ثمت ) أي : ثم ، لغة فيها ، الحافظ ( الحاكم ) أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد النيسابوري المعروف بابن البيع صاحب ( المستدرك ) و ( التاريخ ) و ( علوم الحديث ) وغيرها ( في خامس قرن عام خمسة ) تمضي منه أي : سنة خمس وأربعمائة ، ( فني ) أي : مات بنيسابور ، فيما قاله الأزهري وعبد الغافر في السياق ، ومحمد بن يحيى المزكي ، وزاد في صفر ، ومولده أيضا ، بنيسابور في شهر ربيع الأول سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة .

[ ص: 345 ] ( وبعده ) أي : بعد الحاكم ( بأربع ) من السنين مات الحافظ أبو محمد ( عبد الغني ) بن سعيد بن علي الأزدي المصري صاحب المؤتلف وغيره ، وذلك لسبع خلون من صفر سنة تسع وأربعمائة فيما قاله أبو الحسن أحمد بن محمد العتيقي بمصر عن سبع وسبعين سنة .

( فـ ) بعده ( في الثلاثين ) من السنين بعد الأربعمائة أيضا ، وذلك في بكرة يوم الاثنين ، العشرين من المحرم مات الحافظ ( أبو نعيم ) أحمد بن عبد الله الأصبهاني مؤلف معرفة الصحابة وتاريخ أصبهان وعلوم الحديث وغيرها فيما أرخه يحيى بن عبد الوهاب بن منده بها ، وسئل عن مولده فقال : في شهر رجب سنة ست وثلاثين وثلاثمائة .

( ولـ ) مضي ( ثمان ) من السنين مات من طبقة أخرى تلي هذه في الزمن الحافظ الفقيه أبو بكر أحمد بن الحسين الشافعي ، ( بيهقي القوم ) أي : الحفاظ وأئمة الشافعية لاحتياجهم لتصانيفه الشهيرة وانتفاعهم بها ، ونسب لبيهق بفتح الموحدة وسكون المثناة التحتانية بعدها هاء مفتوحة ثم قاف ، وهي قرية مجتمعة بنواحي نيسابور على عشرين فرسخا منها ، وكانت قصبتها خسروجرد ، ( من بعد ) مضي ( خمسين ) وأربعمائة ، وذلك في عاشر جمادى الأولى من سنة ثمان وخمسين بنيسابور ، وحمل تابوته إلى بيهق ، قاله السمعاني ، قال : وكان مولده سنة أربع وثمانين وثلاثمائة .

( وبعد ) مضي ( خمسة ) من وفاة الذي قبله مات ( خطيبهم ) أي : الحفاظ والمسلمين ، الحافظ أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت البغدادي الشافعي ، ( و ) كذا [ ص: 346 ] ( النمري ) بفتح النون والميم ، نسبة إلى النمر بكسر الميم ، وهي من شواذ النسب التي تحفظ ، ولا يقاس عليها ، كالنسبة إلى أمية بضم الهمزة أموي بفتحها ، وأبي سلمة بكسر اللام سلمي بفتحها كما تقدم ، الحافظ أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر القرطبي المالكي مؤلف ( الاستيعاب ) وجملة ، كلاهما ( في سنة ) واحدة ، وهي كما علمته سنة ثلاث وستين وأربعمائة ،فالخطيب في ذي الحجة منها ببغداد ، أرخه ابن شافع ، وزاد غيره في سابعه ، وأن مولده في جمادى الآخرة سنة إحدى وتسعين وثلاثمائة ، وقيل : سنة اثنتين . وهو المحكي عن الخطيب نفسه ، والآخر في سلخ شهر ربيع الآخر منها بشاطبة من الأندلس عن خمسة وتسعين سنة وخمسة أيام ، فإن مولده فيما حكاه عنه طاهر بن مفوز يوم الجمعة والإمام يخطب لخمس بقين من شهر ربيع الآخر سنة ثمان وستين وثلاثمائة .

قال ابن كثير : وقد كان ينبغي لابن الصلاح أن يذكر مع هؤلاء جماعة من الحفاظ اشتهرت أيضا تصانيفهم بين الناس ، ولا سيما عند أهل الحديث ; كأبي بكر البزار وأبي يعلى الموصلي وإمام الأئمة محمد بن إسحاق بن خزيمة صاحب الصحيح ، وتلميذه أبي حاتم محمد بن حبان البستي صاحب الصحيح أيضا ، والطبراني صاحب المعاجم الثلاثة وغيرها ، وأبي أحمد بن عدي صاحب ( الكامل ) .

قلت : والظاهر أن ابن الصلاح لم يقصد المكثرين خاصة وإنما أراد مع انضمام تصانيف في بعض أنواع علوم الحديث ، اشتهرت وعم الانتفاع بها ، [ ص: 347 ] وبنحو ذلك يعتذر عن عدم ذكره لابن ماجه ، وهو كونه ساذجا عما حرص عليه أصحاب الكتب الخمسة من المقاصد التي بتدبرها يتمرن المحدث خصوصا ، وفيه أحاديث ضعيفة جدا ، بل منكرة ، بل قال الحافظ المزي فيما نقل عنه : إن الغالب فيما انفرد به الضعف . ولذا لم يضفه غير واحد كرزين السرقسطي وابن الأثير وغيرهما إلى الخمسة .

تتمة : يقع في كلامهم : فلان المتوفى ، وأنت في فتح الفاء وكسرها بالخيار ، والكسر موجه بالمتوفي لمدة حياته ، ويشهد له قوله تعالى : ( والذين يتوفون منكم ) على قراءة علي في فتح الياء ، أي : يستوفون آجالهم ، وإن حكي أن أبا الأسود الدؤلي كان مع جنازة فقال له رجل : من المتوفي ؟ بكسر الفاء ، فقال : الله . وإنها كانت أحد الأسباب الباعثة لأمر علي له بالنحو ، فقد قيل يعني على تقدير صحة الحكاية : إنه اقتصر على ما يحتمله فهمه ويتعقله خصوصا ، وهو القائل : حدثوا الناس بما يعرفون .

التالي السابق


الخدمات العلمية