الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الأثار

الحازمي - أبو بكر محمد بن موسى الحازمي الهمذاني

صفحة جزء
[ ص: 443 ] ومن كتاب الرضاع

أخبرني محمد بن أبي بكر بن أبي عيسى ، أخبرني الحسن بن أحمد ، أخبرنا أحمد بن عبد الله ، أخبرنا محمد بن بكر في كتابه ، حدثنا أبو داود ، حدثنا أحمد بن صالح ، حدثنا عنبسة ، حدثني يونس ، عن ابن شهاب ، حدثني عروة بن الزبير ، عن عائشة وأم سلمة : أن أبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس تبنى سالما وأنكحه ابنة أخيه هند بنت الوليد بن عتبة بن ربيعة ، وهو مولى لامرأة من الأنصار ، كما تبنى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زيدا ، وكان من تبنى رجلا في الجاهلية دعاه الناس إليه ، وورث ماله حتى أنزل الله في ذلك ( ادعوهم لآبائهم ) إلى قوله ( فإخوانكم في الدين ومواليكم ) فردوا إلى آبائهم ، فمن لم يعلم أن له أبا كان مولى وأخا في الدين ، فجاءت سهلة بنت سهيل بن عمرو القرشي ثم العامري ، وهي امرأة أبي حذيفة ، فقالت : يا رسول الله كنا نرى سالما ولدا ، وكان يأوي معي ومع أبي حذيفة في بيت واحد ، ويراني فضلا ، وقد أنزل الله فيهم ما قد علمت ، فكيف ترى فيه ؟ فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أرضعيه . فأرضعته خمس رضعات ، فكان بمنزلة ولدها من الرضاعة ، فلذلك كانت عائشة تأمر بنات أخواتها وبنات إخوتها أن يرضعن من أحبت عائشة أن يراها ويدخل عليها ، وإن كان كبيرا خمس رضعات ، ثم يدخل عليها ، وأبت أم سلمة وسائر أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يدخلن عليهن بتلك الرضاعة أحدا من الناس حتى يرضع من المهد ، وقلن لعائشة : والله ما ندري لعلها كانت رخصة من النبي - صلى الله عليه وسلم - لسالم دون الناس .

[ ص: 444 ] هذا حديث ثابت من حديث دار الهجرة ، وله عند المدنيين طرق ، ويشتمل على أحكام كثيرة :

منها عدة أحكام من مفاريد المدنيين .

وأما مدة الرضاعة الذي يتعلق بالرضاع فيها التحريم فاختلف فيها :

فقالت طائفة : إنها حولان ، وعليها أكثر أئمة الأمة ، روي ذلك عن عمر أمير المؤمنين ، وابنه عبد الله ، وابن مسعود ، وابن عباس ، وإليه ذهب الشعبي ، وعبد الله بن شبرمة والأوزاعي ، والثوري ، والشافعي ، وأصحابه ، ومالك في إحدى الروايات عنه ، وأحمد وإسحاق ، وأبو يوسف ، ومحمد من أهل الرأي ، واحتجوا في ذلك بقول الله تعالى : ( والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة ) قالوا : فدل أن مدة الحولين إذا انقضت فقد انقطع حكمها ، ولا عبرة بما زاد بعد تمام المدة .

وروي عن مالك رواية أخرى : إن زاد شهر جاز .

وروي عنه أيضا : إن زاد شهران جاز .

وقال أبو حنيفة : يحرم الرضاع في ثلاثين شهرا .

وقال زفر بن الهذيل : ثلاث سنين .

ومذهب عائشة أنه يحرم أبدا ، وبه قال داود بن علي الظاهري .

وخالفهما في هذا الحكم كافة أهل العلم ، وأما حديث عائشة فقد حمل أصحابنا الأمر في ذلك على أحد وجهين : إما على الخصوص ، وإما على النسخ ، ولم يروا العمل به ، وقد استدل الشافعي رضي الله عنه بهذا الحديث على أن العدد الذي يقع به حرمة الرضاع هو الخمس ، وإن لم ير العمل بباقي الحديث وذلك سائغ .

[ ص: 445 ] قال الخطابي : فكأنه يقول : إن الخبر يتضمن أمرين رضاع الكبير ، وتعليق الحكم على الخمس ، فإذا جرى النسخ في أحدهما لمعنى ، لم يوجب نسخ الآخر مع عدم ذلك المعنى .

وقال بعض أصحابنا ما يدل على أن حديث عائشة منسوخ ؛ وذلك أن قصة سالم كانت في أوائل الهجرة ؛ لأنها جرت عقيب نزول الآية ، والآية نزلت في أوائل الهجرة ، والحكم الثاني رواه أحداث الصحابة وجماعة تأخر إسلامهم نحو أبي هريرة ، وابن عباس ، وغيرهما ، وهذا ظاهر في النسخ لا خفاء به .

التالي السابق


الخدمات العلمية