[ ص: 508 ] ومن كتاب الهدنة  
أخبرني  محمد بن عبد الخالق ،  أخبرنا  أحمد بن محمد ،  أخبرنا  أحمد بن عبد الله ،  أخبرنا  حبيب بن الحسن ،  حدثنا   محمد بن يحيى ،  أخبرنا  أحمد بن محمد بن أيوب ،  حدثنا  إبراهيم بن سعد ،  عن  محمد بن إسحاق ،  حدثني   محمد بن مسلم ،  عن   عروة بن الزبير ،  عن   المسور بن مخرمة   ومروان بن الحكم ،  أنهما حدثاه قالا :  خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  عام  الحديبية    يريد زيارة البيت لا يريد قتالا ،  وذكر الحديث بطوله ، قال   الزهري     : فكتب - يعني الصلح - بينه وبين  قريش ،   ثم قال : اكتب :  هذا ما صالح عليه  محمد بن عبد الله    سهيل بن عمرو  ؛ اصطلحا على وضع الحرب عن الناس عشر سنين ، يأمن فيها الناس ، ويكف بعضهم عن بعض ، على أنه من أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من  قريش   بغير إذن وليه رده عليهم ، ومن جاء  قريشا   ممن مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يردوه عليه ، وأن بيننا عيبة مكفوفة ، وأنه لا إسلال ولا إغلال ، وأنه من أحب أن يدخل في عقد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعهده فليدخل ، ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه ، قال : فبينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكتب الكتاب هو   وسهيل بن عمرو  إذ جاءه   أبو جندل بن سهيل بن عمرو  يرسف في الحديد ، قد انفلت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما رأى  سهيل  أبا جندل  قام إليه فضرب وجهه وأخذ يلببه ثم قال : يا  محمد ،   قد وجبت القضية بيني وبينك قبل أن يأتيك هذا . قال : صدقت . فجعل يبتزه ويلببه ويجره ؛ ليرده إلىقريش   وذكر تمام الحديث .  
هذا حديث طويل مخرج في الصحاح ، واقتصرنا منه على القدر المذكور ؛ إذ فيه الغرض .  
 [ ص: 509 ] ووجه الاستدلال ؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صالحهم على أن يرد إليهم من أتاه من قبلهم ، فذهب أكثر أهل العلم إلى أن الصلح كان معقودا بينهم على رد الرجال والنساء ، فصار  حكم النساء   منسوخا بالآية .  
أخبرني  أبو المحاسن الأنصاري ،  أخبرنا  أحمد بن محمد ،  أخبرنا  أحمد بن عبد الله ،  حدثنا  حبيب بن الحسن ،  حدثنا   محمد بن يحيى ،  أخبرنا  أحمد بن محمد بن أيوب ،  حدثنا  إبراهيم بن سعد ،  عن  محمد بن إسحاق ،  حدثني   الزهري ،  عن   عروة بن الزبير ،  قال : دخلت عليه وهو يكتب كتابا إلى  ابن هنيدة  صاحب   الوليد بن عبد الملك ،  وكتب يسأله عن قول الله - عز وجل - : (  إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن      ) إلى قوله :  عليم حكيم      . قال : فكتب إليه   عروة بن الزبير     :  إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان صالح  قريشا   يوم  الحديبية   على أن يرد عليهم من جاء بغير إذن وليه ، فلما هاجر النساء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وإلى الإسلام أبى الله أن يرددن إلى المشركين إذا امتحن محنة الإسلام ، فعرفوا أنهن إنما جئن رغبة فيه ، وأمر برد صدقاتهن إليهن إذا حبسن عنهم ، إن هم ردوا على المسلمين صداق من حبسوا عنهم من نسائهم ، ثم قال : (  ذلكم حكم الله يحكم بينكم والله عليم حكيم      ) فأمسك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - النساء ورد الرجال     .  
وقد أخرج   البخاري  بإسناده عن  عروة     : أنه سمع   المسور بن مخرمة ،  ومروان  يخبران عن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :  لما كاتب   سهيل بن عمرو  يومئذ ، كان فيما اشترط  سهيل  على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه لا يأتيك منا أحد - وإن كان على دينك - إلا رددته إلينا ، وخليت بيننا وبينه ، فكره المؤمنون ذلك ،  وأبى سهيل  إلا ذلك ، فكاتبه النبي - صلى الله عليه وسلم - على ذلك ، فرد يومئذ  أبا جندل  إلى أبيه  سهيل ،  ولم يأته أحد من الرجال إلا رده في تلك المدة وإن كان مسلما ، وجاء المؤمنات مهاجرات ، وكانت  أم كلثوم بنت عقبة بن أبي   [ ص: 510 ] معيط  ممن خرجن إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومئذ وهي عاتق ، فجاء أهلها يسألون النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يرجعها فلم يرجعها إليهم لما أنزل الله فيهن : (  إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن   إلى قوله  ولا هم يحلون لهن      ) .  
قرئ على  محمد بن عبد الخالق  وأنا أسمع ، أخبرك  عبد الواحد بن إسماعيل  في كتابه ، أخبرنا  أبو نصر البلخي ،  أخبرنا   أبو سليمان الخطابي  قال : وأما قوله : ثم جاءت نسوة مؤمنات ، فأنزل الله فيهن : (  ياأيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات      ) الآية ، وقد اختلف العلماء في هذا على قولين :  
أحدهما : أن النساء لم يدخلن في الصلح ، وإنما وقع الصلح بينهم على رد الرجال ، وهذا أشبه القولين بالصواب .  
ويدل على صحة ذلك قوله ؛ يعني في بعض الروايات : وعلى أن لا يأتيك منا رجل - وإن كان على دينك - إلا رددته .  
والقول الآخر : أن الصلح كان معقودا بينهم على رد الرجال والنساء معا ؛ لأن في بعض الروايات : ولا يأتيك منا أحد إلا رددته ، فاشتمل عمومه على النساء والرجال ، إلا أن الله تعالى نسخ ذلك بالآية ، ومن ذهب إلى هذا الوجه أجاز نسخ السنة بالكتاب .  
وفيه دليل على أن الإمام إذا اشترط في العقد ما لا يجوز فعله في حكم الدين فإن ذلك الشرط باطل ، وقد قال - صلى الله عليه وسلم - :  كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل  ، وفيه على هذا التأويل دليل على جواز وقوع الخطأ من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بعض الأمور ، ولكن لا يجوز تقريره عليه .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					