الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                                        نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

                                                                                                        الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        ( وليس على الصبي والمجنون زكاة ) خلافا للشافعي رحمه الله ، فإنه يقول : هي غرامة مالية ، فتعتبر بسائر المؤن كنفقة الزوجات ، وصار كالعشر والخراج . ولنا أنها عبادة فلا تتأدى إلا بالاختيار ، تحقيقا لمعنى الابتلاء ، ولا اختيار لهما لعدم العقل ، بخلاف الخراج لأنه مؤنة الأرض ، وكذلك الغالب في العشر معنى المؤنة ، ومعنى العبادة تابع . ولو أفاق في بعض السنة فهو بمنزلة إفاقته في بعض الشهر في الصوم .

                                                                                                        وعن أبي يوسف رحمه الله أنه يعتبر أكثر الحول ، ولا فرق بين الأصلي والعارض ، وعن أبي حنيفة رحمه الله أنه إذا بلغ مجنونا يعتبر الحول من وقت الإفاقة ، بمنزلة الصبي إذا بلغ .

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        قوله : وليس على الصبي ، والمجنون زكاة ، خلافا للشافعي رضي الله عنه . أحاديث زكاة مال اليتيم ، أو الصغير : أخرج الترمذي عن المثنى بن الصباح عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو بن العاص { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس ، فقال : من ولي يتيما له مال فليتجر له ، ولا يتركه حتى تأكله الصدقة }. انتهى .

                                                                                                        قال الترمذي : إنما يروى هذا الحديث من هذا الوجه ، وفي إسناده مقال ; لأن المثنى يضعف في الحديث . انتهى .

                                                                                                        وقال صاحب " التنقيح " رحمه الله : قال : مهما سألت أحمد بن حنبل عن هذا الحديث ، فقال : ليس بصحيح ، انتهى .

                                                                                                        طريق آخر أخرجه الدارقطني في " سننه " عن عبيد الله بن إسحاق ثنا مندل عن أبي إسحاق الشيباني عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم نحوه ، قال الدارقطني : الصحيح أنه من كلام عمر انتهى . وعبيد الله بن إسحاق ضعيف ، ومندل قال ابن حبان : كان يرفع المراسيل ، ويسند الموقوفات من سوء حفظه ، فلما فحش ذلك منه ، استحق الترك ، انتهى .

                                                                                                        طريق آخر : أخرجه الدارقطني أيضا عن محمد بن عبيد الله العرزمي عن عمرو بن شعيب [ ص: 389 ] عن أبيه عن جده ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { في مال اليتيم زكاة }. قال الدارقطني : العرزمي ضعيف ، وقال صاحب " التنقيح " : هذه الطرق الثلاثة ضعيفة ، لا يقوم بها حجة . انتهى .

                                                                                                        وقال ابن حبان : لا يجوز الاحتجاج عندي بما رواه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ، لأن هذا الإسناد لا يخلو من إرسال ، أو انقطاع وكلاهما لا يقوم به حجة ، فإن عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص ، فإذا روى عن أبيه عن جده ، فأراد بجده محمدا ، فمحمد لا صحبة له ، وإن أراد عبد الله ، فشعيب لم يلق عبد الله ، قال ابن الجوزي في " التحقيق " : الناس لا يختلفون في توثيق عمرو بن شعيب ، قال ابن راهويه : عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ، كأيوب عن نافع عن ابن عمر ، وقال البخاري : رأيت أحمد بن حنبل ، وعلي بن عبد الله ، وابن راهويه ، والحميدي يحتجون بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه ، فمن الناس بعدهم ؟ ، وأما قول ابن حبان : لم يصح سماع شعيب من جده عبد الله ، فقال الدارقطني : هو خطأ ، وقد روى عبيد الله بن عمر العمري ، وهو من الأئمة العدول عن عمرو بن شعيب عن أبيه ، قال : كنت جالسا عند عبد الله بن عمرو ، فجاء رجل ، فاستفتاه في مسألة ، فقال : يا شعيب امض معه إلى ابن عباس ، فقد صح بهذا سماع شعيب من جده عبد الله ، وقد أثبت سماعه منه أحمد بن حنبل ، وغيره . وقال الدارقطني : جده الأدنى محمد ، ولم يدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم وجده الأعلى عمرو بن العاص ، ولم يدركه شعيب ، وجده الأوسط عبد الله ، وقد أدركه ، فإذا لم يسم جده احتمل أن يكون محمدا ، واحتمل أن يكون عمرا ، فيكون في الحالين مرسلا ، واحتمل أن يكون عبد الله الذي أدركه ، فلا يصح الحديث ، ولا يسلم من الإرسال ، إلا أن يقول فيه : عن جده عبد الله بن عمرو ، قال ابن الجوزي رحمه الله : وهذا الحديث قد سمى فيه جده عبد الله ، فسلم من الإرسال ، على أن المرسل عندنا حجة . انتهى .

                                                                                                        وقال الحاكم في " كتاب البيوع ، من المستدرك " : لم أزل أطلب الحجة الظاهرة في سماع شعيب بن محمد من عبد الله بن عمرو ، فلم أقدر عليها . [ ص: 390 ]

                                                                                                        { حديث آخر } : رواه الطبراني في " معجمه الأوسط " حدثنا علي بن سعيد الرازي ثنا الفرات بن محمد القيرواني ثنا شجرة بن عيسى المعافري عن عبد الملك بن أبي كريمة عن عمارة بن غزية عن يحيى بن سعيد عن أنس بن مالك ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { اتجروا في أموال اليتامى ، لا تأكلها الزكاة }انتهى .

                                                                                                        قال الطبراني : لا يروى هذا الحديث عن أنس إلا بهذا الإسناد . انتهى . الآثار : أخرج الدارقطني عن يزيد بن هارون ثنا أشعث عن حبيب بن أبي ثابت عن صلت المكي عن ابن أبي رافع { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطع أبا رافع أرضا ، فلما مات أبو رافع باعها عمر رضي الله عنه بثمانين ألفا ، فدفعها إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، فكان يزكيها ، فلما قبضها ولد أبي رافع عدوا ما لهم ، فوجدوها ناقصة ، فسألوا عليا ، فقال : أحسبتم زكاتها ؟ قالوا : لا ، فحسبوا زكاتها ، فوجدوها سواء ، فقال علي : أكنتم ترون أنه يكون عندي مال لا أزكيه }؟ . انتهى .

                                                                                                        قال البيهقي : ورواه حسن بن صالح ، وجرير بن عبد الحميد عن أشعث : وقالا : عن أبي رافع : وهو الصواب . انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } قال الشافعي : أنبأ مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه ، قال : كانت عائشة تليني ، وأخا لي يتيما في حجرها ، وكانت تخرج من أموالنا الزكاة ، ورواه مالك رضي الله عنه في " الموطأ " ، كما تراه ، قاله الشافعي رضي الله عنه : وحدثنا سفيان عن أيوب عن نافع عن ابن عمرو أنه كان يزكي مال اليتيم . انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } : وأخرج الدارقطني عن حسين المعلم عن عمرو بن شعيب عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، قال : ابتغوا بأموال اليتامى ، لا تأكلها [ ص: 391 ] الزكاة ، قال البيهقي : إسناد صحيح ، وله شواهد عن عمر . ثم أسند عن يزيد بن هارون : ثنا شعبة عن حميد بن هلال ، قال : سمعت أبا محجن ، أو ابن محجن وكان خادما لعثمان بن أبي العاص قال : قدم عثمان بن أبي العاص على عمر بن الخطاب فقال له عمر : كيف متجر أرضك ، فإن عندي مال يتيم ، قد كادت الزكاة تفنيه ، قال : فدفعه إليه ، قال : ورواه معاوية بن قرة عن الحكم بن أبي العاص عن عمر ، وكلاهما محفوظ . ورواه الشافعي رضي الله عنهم ن حديث عمرو بن دينار ، وابن سيرين عن عمر مرسلا ، والله أعلم .

                                                                                                        { حديث آخر } : رواه عبد الرزاق ثنا ابن جريج عن أبي الزبير سمع جابر بن عبد الله يقول ، في الذي يلي اليتيم ، قال : يعطي زكاته . انتهى . أحاديث الأصحاب : أخرج أبو داود ، والنسائي ، وابن ماجه عن حماد عن حماد عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة رضي الله عنهاعن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { رفع القلم عن ثلاثة : عن النائم حتى يستيقظ وعن الصبي حتى يحتلم وعن المجنون حتى يعقل }. ورواه الحاكم في " المستدرك " وقال : على شرط مسلم وحماد الأول : هو حماد بن سلمة ، وحماد الثاني : هو ابن أبي سليمان ، وقد روى له مسلم مقرونا بغيره ، ووثقه ابن معين ، والنسائي ، والعجلي ، وغيرهم ، وتكلم فيه الأعمش ، ومحمد بن سعد ، وغيرهما ، وقد روي من حديث عائشة . قال ابن الجوزي : والجواب : أن المراد قلم الإثم ، أو قلم الأداء انتهى . وبقية الكلام عليه في " كتاب الحجر " .

                                                                                                        الآثار : أخرج البيهقي عن ليث بن أبي سليم عن مجاهد عن ابن مسعود ، قال : من ولي مال اليتيم ، فليحص عليه السنين ، وإذا دفع إليه ماله أخبره بما فيه من الزكاة ، فإن شاء زكى ، وإن شاء ترك . انتهى .

                                                                                                        قال البيهقي : وهذا أثر ضعيف ، فإن مجاهدا لم يلق ابن مسعود ، فهو منقطع ، وليث بن أبي سليم ضعيف عند أهل الحديث ، قال : [ ص: 392 ] وروي عن ابن عباس ، إلا أنه ينفرد بإسناده ابن لهيعة ، وهو لا يحتج به انتهى . وهذا الأثر رواه محمد بن الحسن الشيباني في " كتاب الآثار " أخبرنا أبو حنيفة حدثنا ليث بن أبي سليم عن مجاهد عن ابن مسعود رضي الله عنهم ، قال : ليس في مال اليتيم زكاة . انتهى .

                                                                                                        قال ابن حبان في " كتاب الضعفاء " : كان من العباد يعني ليث بن أبي سليم لكن اختلط في آخر عمره ، حتى كان لا يدري ما يحدث به ، فكان يقلب الأسانيد ، ويرفع المراسيل ، تركه يحيى بن القطان ، وابن مهدي ، وأحمد بن حنبل ، ويحيى بن معين . انتهى .

                                                                                                        واعلم أن ابن حبان ترجم عليه : ليث بن أبي سليم بن زنيم الليثي ، وتعقبه الشيخ زكي الدين المنذري في " حاشيته " بخطه ، فقال : ليث بن أبي سليم ليس هو ابن زنيم الليثي ، فرقهما إمام أهل الحديث البخاري في " ترجمتين " ، وكذلك ابن أبي حاتم ، والعقيلي ، وابن عدي في " كتبهم " . وابن أبي سليم قرشي : مولاهم ، والليثي إنما هو ابن زنيم . انتهى كلامه . نقلته من خطه ، والله أعلم .




                                                                                                        الخدمات العلمية