الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                                        نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

                                                                                                        الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        فصل في الخيل ( إذا كانت الخيل سائمة ذكورا وإناثا فصاحبها بالخيار : إن شاء أعطى عن كل فرس دينارا ، وإن شاء قومها وأعطى عن كل مائتي درهم خمسة دراهم ) وهذا عند أبي حنيفة رحمه الله ، وهو قول زفر رحمه الله ، وقالا : [ ص: 420 ] لا زكاة في الخيل ; لقوله عليه الصلاة والسلام { ليس على المسلم في عبده [ ص: 421 ] ولا في فرسه صدقة }. وله قوله عليه الصلاة والسلام { في كل فرس سائمة دينار أو عشرة دراهم } [ ص: 422 ] وتأويل ما روياه فرس الغازي ، وهو المنقول عن زيد بن ثابت رضي الله عنه . والتخيير بين الدينار والتقويم مأثور عن عمر رضي الله عنه . ( وليس في ذكورها منفردة زكاة ) لأنها لا تتناسل ( وكذا في الإناث [ ص: 423 ] المنفردات في رواية ) وعنه الوجوب فيها ; لأنها تتناسل بالفحل المستعار ، بخلاف الذكور ، وعنه أنها تجب في الذكور المنفردة أيضا .

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        فصل في الخيل

                                                                                                        الحديث الرابع عشر : قال عليه السلام : { ليس على المسلم في عبده ولا في فرسه صدقة } ، قلت : أخرجه الأئمة الستة في " كتبهم " عن عراك بن مالك عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { ليس على المسلم في عبده ولا في فرسه صدقة }. انتهى بألفاظهم الستة . ورواه ابن حبان في " صحيحه " ، وزاد فيه : إلا صدقة الفطر ، قال ابن حبان : فيه دليل على أن العبد لا يملك ، إذ لو ملك لوجب عليه صدقة الفطر ، وهذه الزيادة عند مسلم أيضا ، ولفظه : { ليس في العبد صدقة ، إلا صدقة الفطر }. انتهى .

                                                                                                        ورواه الدارقطني بلفظ : { لا صدقة على الرجل في فرسه ولا في عبده ، إلا زكاة الفطر } ، ولهذه الألفاظ فوائد ستأتي في صدقة الفطر . [ ص: 420 ]

                                                                                                        { حديث آخر } : أخرجه أبو داود ، والترمذي ، والنسائي عن أبي عوانة عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { قد عفوت لكم عن صدقة الخيل والرقيق ، فهاتوا صدقة الرقة }. انتهى .

                                                                                                        قال أبو داود : روى هذا الحديث الأعمش عن أبي إسحاق ، كما رواه أبو عوانة ، ورواه أبو معاوية ، وإبراهيم بن طهمان عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي عن النبي عليه السلام ، قال الترمذي : سألت محمدا عن هذا الحديث فقال : كلاهما عندي صحيح عن أبي إسحاق ، يحتمل أن يكون روى عنهما .

                                                                                                        { حديث آخر } : أخرجه الدارقطني في " سننه " عن أحمد بن الحارث البصري ثنا الصقر بن حبيب ، قال : سمعت أبا رجاء العطاردي يحدث عن ابن عباس عن علي بن أبي طالب أن النبي عليه السلام ، قال : { ليس في العوامل صدقة ، ولا في الجبهة صدقة }.

                                                                                                        قال الصقر : الجبهة : الخيل ، والبغال ، والعبيد .

                                                                                                        وقال أبو عبيد : الجبهة : الخيل انتهى . والصقر ضعيف ، قال ابن حبان في " كتاب الضعفاء " : ليس هو من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما يعرف بإسناد منقطع ، فقلبه الصقر على أبي رجاء ، وهو يأتي بالمقلوبات . انتهى .

                                                                                                        وأحمد بن الحارث الراوي عن الصقر هو الغساني ، قال أبو حاتم الرازي : هو متروك الحديث انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } روى سليمان بن داود عن الزهري عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده { عن النبي صلى الله عليه وسلم في الكتاب الذي كتبه إلى أهل اليمن : وأنه ليس في عبد مسلم ، ولا في فرسه شيء } ، وقد تقدم في كتاب عمرو بن حزم .

                                                                                                        { حديث آخر } : أخرجه البيهقي عن بقية حدثني أبو معاذ عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { عفوت لكم عن صدقة الجبهة والكسعة ، والنخعة } ، قال بقية . الجبهة : الخيل ، والكسعة : البغال ، والحمير ، والنخعة : المربيات في البيوت ، انتهى .

                                                                                                        قال البيهقي : وأبو معاذ سليمان بن أرقم ، وهو متروك الحديث لا يحتج به ، مع أنه قد اختلف عليه فيه ، فقيل : عنه هكذا ، وقيل : عنه عن الحسن عن عبد الرحمن بن سمرة مرفوعا نحوه ، ثم أخرجه كذلك [ ص: 421 ] عن عبيد الله بن يزيد عن سليمان بن أرقم به ، ورواه كثير بن زياد أبو سهل عن الحسن عن النبي عليه السلام مرسلا ، أخرجه أبو داود في المراسيل . قوله : وتأويله : فرس الغازي ، هو المنقول عن زيد بن ثابت ، قلت : غريب ، وذكره أبو زيد الدبوسي في كتاب " الأسرار " ، فقال : إن زيد بن ثابت لما بلغه حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : صدق ، رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما أراد فرس الغازي ، قال : ومثل هذا لا يعرف بالرأي ، فثبت أنه مرفوع . انتهى .

                                                                                                        وروى أبو أحمد بن زنجويه في كتاب " الأموال " حدثنا علي بن الحسن ثنا سفيان بن عيينة عن ابن طاوس عن أبيه أنه قال : سألت ابن عباس عن الخيل أفيها صدقة ؟ فقال : ليس على فرس الغازي في سبيل الله صدقة . انتهى

                                                                                                        الحديث الخامس عشر : قال عليه السلام : { في كل فرس سائمة دينار أو عشرة دراهم } ، قلت : أخرجه الدارقطني ، ثم البيهقي في " سننهما " عن الليث بن حماد الإصطخري حدثنا أبو يوسف عن غورك بن الخضرم أبي عبد الله عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " { في الخيل السائمة في كل فرس دينار }انتهى ، قال الدارقطني : تفرد به غورك ، وهو ضعيف جدا ، ومن دونه ضعفاء . انتهى .

                                                                                                        وقال البيهقي : ولو كان هذا الحديث صحيحا عند أبي يوسف لم يخالفه . انتهى ، وقال ابن القطان في " كتابه " : وأبو يوسف هذا هو أبو يوسف يعقوب القاضي ، وهو مجهول عندهم . انتهى .

                                                                                                        وفيه شيء ، فقد وثقه ابن حبان ، وغيره . واستدل لنا ابن الجوزي في " التحقيق " بحديث أخرجاه في " الصحيحين " عن أبي هريرة { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر الخيل ، فقال : ورجل ربطها تغنيا وتعففا ، ثم لم ينس حق الله في رقابها ، ولا في ظهورها ، فهي لذلك ستر } ، وجوابه من وجهين : [ ص: 422 ] أحدهما : أن حقها إعادتها وحمل المنقطعين عليها ، فيكون ذلك على وجه الندب . والثاني : أن يكون واجبا ، ثم نسخ بدليل قوله : { قد عفوت لكم عن صدقة الخيل } ، إذ العفو لا يكون إلا عن شيء لازم . انتهى كلامه .

                                                                                                        وكذلك استدل به الشيخ في " الإمام " ، والحديث في " الصحيحين " عن أبي صالح عن أبي هريرة في حديث مانع الزكاة بطوله ، { وفيه الخيل ثلاثة : هي لرجل وزر ولرجل ستر ولرجل أجر ، فأما التي هي له وزر ، فرجل ربطها رياء وفخرا ، وأما التي هي له ستر ، فرجل ربطها في سبيل الله ، ثم لم ينس حق الله في ظهورها ، ولا في رقابها }. وفي لفظ لمسلم : { في ظهورها ولا بطونها } ، الحديث . قوله : والتخيير بين الدينار والتقويم مأثور عن عمر ، قلت : غريب .

                                                                                                        وأخرج الدارقطني في " سننه " عن أبي إسحاق عن حارثة بن مضرب ، قال : جاء ناس من أهل الشام إلى عمر ، فقالوا : إنا قد أصبنا أموالا خيلا ورقيقا ، وإنا نحب أن تزكيه ، فقال : ما فعله صاحباي قبلي فأفعل أنا ، ثم استشار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : أحسن ، وسكت علي ، فسأله ، فقال : هو حسن لو لم يكن جزية راتبة يؤخذون بها بعدك ، فأخذ من الفرس عشرة دراهم ، ثم أعاده قريبا منه بالسند المذكور والقصة ، وقال فيه : فوضع على كل فرس دينارا . انتهى .

                                                                                                        وروى محمد بن الحسن الشيباني في " كتاب الآثار " أخبرنا أبو حنيفة رضي الله عنه عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي أنه قال في الخيل السائمة التي يطلب نسلها : إن شئت في كل فرس دينارا أو عشرة دراهم ، وإن شئت فالقيمة ، فيكون في كل مائتي درهم خمسة دراهم ، وفي كل ذكر فرس أو أنثى .

                                                                                                        وروى عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني عمرو بن دينار أن جبير بن يعلى أخبره أنه سمع يعلى بن أمية يقول : ابتاع عبد الرحمن بن أمية أخو يعلى بن أمية من رجل من أهل اليمن فرسا أنثى بمائة قلوص ، فندم البائع ، فلحق بعمر ، فقال : غصبني يعلى ، وأخوه فرسا لي ، فكتب إلى يعلى أن الحق بي ، فأتاه ، وأخبره الخبر ، فقال : إن [ ص: 423 ] الخيل لتبلغ هذا عندكم ؟ ما علمت أن فرسا يبلغ هذا ، فنأخذ من كل أربعين شاة شاة ، ولا نأخذ من الخيل شيئا ، خذ من كل فرس دينارا ، فقدر على الخيل دينارا . انتهى .

                                                                                                        وروي أيضا عن ابن جريج أخبرني ابن أبي حسين أن ابن شهاب أخبره أن عثمان كان يصدق الخيل ، وأن السائب بن يزيد أخبره أنه كان يأتي عمر بن الخطاب بصدقة الخيل انتهى .

                                                                                                        قال ابن عبد البر : وقد روى فيه جويرية عن مالك حديثا صحيحا ، أخرجه الدارقطني عن جويرية عن مالك عن الزهري أن السائب بن يزيد أخبره ، قال : رأيت أبي يقيم الخيل ، ثم يرفع صدقتها إلى عمر رضي الله عنه . انتهى .




                                                                                                        الخدمات العلمية