الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                                        نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

                                                                                                        الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        [ ص: 533 - 535 ] ( ولا يصومون يوم الشك إلا تطوعا ) لقوله صلى الله عليه وسلم { لا يصام اليوم الذي يشك فيه أنه من رمضان إلا تطوعا }وهذه المسألة على وجوه : أحدها : أن ينوي صوم رمضان ، وهو مكرره لما روينا ; ولأنه تشبه بأهل الكتاب ; لأنهم زادوا في مدة صومهم ، ثم إن ظهر أن اليوم من رمضان يجزئه ; لأنه شهد الشهر وصامه ، وإن ظهر أنه من شعبان كان تطوعا ، وإن أفطر لم يقضه ; لأنه في معنى المظنون . والثاني : أن ينوي عن واجب آخر ، وهو مكروه أيضا لما روينا ، إلا أن هذا دون الأول في الكراهة ، ثم إن ظهر أنه من رمضان يجزئه ; لوجود أصل النية ، وإن ظهر أنه من شعبان فقد قيل : يكون تطوعا ; لأنه منهي عنه ، فلا يتأدى به الواجب ، وقيل : يجزئه عن الذي نواه ، وهو الأصح ; لأن المنهي عنه وهو التقدم على رمضان بصوم رمضان لا يقوم بكل صوم ، بخلاف يوم العيد ; لأن المنهي عنه وهو ترك الإجابة يلازم كل صوم ، والكراهة ها هنا لصورة النهي .

                                                                                                        والثالث : أن ينوي التطوع ، وهو غير مكروه ، لما روينا ، وهو حجة على الشافعي رحمه الله في قوله : يكره على سبيل الابتداء ، والمراد بقوله صلى الله عليه وسلم { لا تتقدموا رمضان بصوم يوم ولا بصوم يومين }الحديث ، التقدم بصوم رمضان ; لأنه يؤديه قبل أوانه ، ثم إن وافق صوما كان يصومه فالصوم أفضل بالإجماع ، وكذا إذا صام ثلاثة أيام من آخر الشهر فصاعدا ، وإن أفرده فقد قيل : الفطر [ ص: 536 ] أفضل ، احترازا عن ظاهر النهي ، وقد قيل : الصوم أفضل . [ ص: 537 ] اقتداء بعلي وعائشة رضي الله عنهما ، فإنهما كانا يصومانه .

                                                                                                        والمختار أن يصوم المفتي بنفسه ، أخذا بالاحتياط ، ويفتي العامة بالتلوم إلى وقت الزوال ، ثم بالإفطار نفيا للتهمة . والرابع : أن يضجع في أصل النية بأن ينوي أن يصوم غدا إن كان من رمضان ، ولا يصومه إن كان من شعبان وفي هذا الوجه لا يصير صائما ; لأنه لم يقطع عزيمته ، فصار كما إذا نوى أنه إن وجد غدا غذاء يفطر ، وإن لم يجد يصوم .

                                                                                                        والخامس : أن يضجع في وصف النية بأن ينوي إن كان غدا من رمضان يصوم عنه ، وإن كان من شعبان فعن واجب آخر وهذا مكروه ، لتردده بين أمرين مكروهين ثم إن ظهر أنه من رمضان أجزأه ; لعدم التردد في أصل النية ، وإن ظهر أنه من شعبان لا يجزيه عن واجب آخر ; لأن الجهة لم تثبت للتردد فيها ، وأصل النية لا يكفيه ، لكنه يكون تطوعا غير مضمون بالقضاء لشروعه فيه مسقطا . وإن نوى عن رمضان إن كان غدا منه وعن التطوع إن كان من شعبان ، يكره ; لأنه ناو للفرض من وجه ، ثم إن ظهر أنه من رمضان أجزأه عنه لما مر ، وإن ظهر أنه من شعبان جاز عن نفله ; لأنه يتأدى بأصل النية ، ولو أفسده يجب أن لا يقضيه ; لدخول الإسقاط في عزيمته من وجه .

                                                                                                        [ ص: 535 ]

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        [ ص: 535 ] الحديث الخامس : قال عليه السلام : { لا يصام اليوم الذي يشك فيه أنه من رمضان إلا تطوعا } ، قلت : غريب جدا .

                                                                                                        الحديث السادس : قال عليه السلام : { لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين } ، قلت : رواه الأئمة الستة في " كتبهم " من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين ، إلا رجل كان يصوم صوما فيصومه }. انتهى .

                                                                                                        وآخر الحديث يدفع تأويل صاحب الكتاب ، فإنه استدل للشافعي [ ص: 536 ] بهذا الحديث على كراهية صوم يوم الشك تطوعا ، ابتداء ، أي لا يوافق عادة ، ثم قال : ومعنى الحديث لا تصوموا رمضان في غير أوانه ، ويرده ما وقع في لفظ أيضا : { لا تقدموا بين يدي رمضان بصوم يوم ولا يومين } ، وقد جاء بالتصريح عند البيهقي ، عن عبد الله بن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صوم قبل رمضان بيوم ، والأضحى ، والفطر ، وأيام التشريق }انتهى .

                                                                                                        وقال : انفرد به عبد الله بن سعيد ، وهو ضعيف ، ورواه الواقدي بإسناد له عن سعيد المقبري به ، وهو ضعيف ، وقال صاحب " التنقيح " : عبد الله بن سعيد المقبري أبو عباد أجمعوا على ضعفه ، وعدم الاحتجاج به . انتهى .

                                                                                                        ومذهب الشافعي كراهية الصوم بعد نصف شعبان ، وحجتهم ما أخرجه الترمذي ، والنسائي عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إذا بقي النصف من شعبان فلا تصوموا }. انتهى .

                                                                                                        قال الترمذي : حديث حسن صحيح لا يعرف إلا من هذا الوجه على هذا اللفظ ، ومعناه عند بعض أهل العلم أن يفطر الرجل حتى إذا انتصف شعبان أخذ في الصوم انتهى .

                                                                                                        وقال النسائي : لا نعلم أحدا روى هذا الحديث غير العلاء ، وروي عن الإمام أحمد رضي الله عنه أنه قال : هذا الحديث ليس بمحفوظ ، قال : وسألت عنه ابن مهدي فلم يصححه : ولم يحدثني به ، وكان يتوقاه ، قال أحمد : والعلاء ثقة ، لا ينكر من حديثه إلا هذا ، وعند النسائي فيه : فكفوا ، قال ابن القطان في " كتابه " : وروي : فأمسكوا .

                                                                                                        رواه وكيع عن أبي العميس عن العلاء ، وروى محمد بن ربيعة عن أبي العميس عن العلاء ، فكفوا ، قال : وبين هذين اللفظين ، ولفظ الترمذي فرق ، فإن هذين اللفظين نهي لمن كان صائما عن التمادي في الصوم ، ولفظ الترمذي نهي لمن كان صائما ، ولمن لم يكن صائما عن الصوم بعد النصف ، انتهى كلامه . وقال البيهقي في " المعرفة " : قال أبو داود : قال أحمد بن حنبل : هذا حديث منكر ، وكان عبد الرحمن بن مهدي لا يحدث به انتهى .

                                                                                                        وقال البيهقي أيضا : قال الشافعي : أختار أن يفطر الرجل يوم الشك في هلال رمضان ، إلا أن يكون يوما كان يصومه ، فأختار أن يصومه . انتهى .

                                                                                                        وهذا خلاف ما نقله صاحب الكتاب عن الشافعي . [ ص: 537 ]

                                                                                                        قوله : روي عن علي ، وعائشة أنهما كانا يصومان يوم الشك تطوعا ، قلت : غريب ، وفي " التحقيق " لابن الجوزي مذهب علي ، وعائشة أنه يجب صوم يوم الثلاثين من شعبان إذا حال دونه غيم ، أو نحوه ، قال : وهو أصح الروايتين عن أحمد ، قال : وعلى هذه الرواية لا يسمى يوم شك ، بل هو من رمضان حكما ، والله أعلم . انتهى .

                                                                                                        الحديث السابع : قال عليه السلام : { من صام يوم الشك فقد عصى أبا القاسم } ، قلت : غريب أيضا ، والمعروف هذا من قول عمار ، أخرجه أصحاب السنن الأربعة في كتبهم عن أبي خالد الأحمر عن عمرو بن قيس الملائي عن أبي إسحاق عن { صلة بن زفر ، قال : كنا عند عمار في اليوم الذي يشك فيه ، فأتى بشاة مصلية ، فتنحى بعض القوم ، [ ص: 538 ] فقال عمار : من صام هذا اليوم فقد عصى أبا القاسم }انتهى .

                                                                                                        قال الترمذي : حديث حسن صحيح . انتهى . ورواه ابن حبان في " صحيحه " في النوع الثامن والسبعين ، من القسم الأول ، والحاكم في " المستدرك " ، وقال : حديث صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه . ورواه الدارقطني في " سننه " ، وقال : حديث صحيح ، ورواته كلهم ثقات . انتهى .

                                                                                                        وقال ابن عبد البر : هذا حديث مسند عندهم لا يختلفون في ذلك ، وذكره البخاري في " صحيحه " تعليقا ، فقال : وقال : صلة عن عمار : من صام يوم الشك إلى آخره ، ووهم القاضي شمس الدين في " الغاية " فعزاه للبخاري ، ومسلم ، ومسلم لم يروه ، والبخاري إنما ذكره تعليقا ، وذكر أنه قلد سبط ابن الجوزي في ذلك .

                                                                                                        { حديث آخر } : رواه الخطيب في " تاريخ بغداد في ترجمة محمد بن عيسى بن عبد الله الآدمي " ثنا أحمد بن عمر الوكيعي ثنا وكيع عن سفيان عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس ، قال : { من صام اليوم الذي يشك فقد عصى الله ورسوله }. انتهى .

                                                                                                        ثم قال : تابع الآدمي عليه أحمد بن عاصم الطبراني عن وكيع ، ورواه إسحاق بن راهويه عن وكيع ، فلم يجاوز به عكرمة ، وكذلك رواه يحيى بن سعيد القطان عن سفيان الثوري ، لم يذكر فيه ابن عباس انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } : رواه البزار في " مسنده " حدثنا محمد بن المثنى ثنا صفوان بن عيسى ثنا عبد الله بن سعيد عن جده عن أبي هريرة أن النبي عليه السلام { نهى عن ستة أيام من السنة : يوم الأضحى . ويوم الفطر : وأيام التشريق . واليوم الذي يشك فيه من رمضان }. انتهى .




                                                                                                        الخدمات العلمية