فصل : فأما إن  لم يصم الثلاثة الأيام في الحج ، ولا السبعة الأيام حين رجع حتى استقر ببلده واستوطن   ، فعليه صيام عشرة أيام ، وهو مأمور أن يفرق بين صيام الثلاثة ، وبين صيام السبعة ، وفي وجوب التفرقة بينهما وجهان :  
أحدهما : أن التفرقة بينهما غير واجبة ، لأن وجوب التفرقة بينهما كان في الأداء بجهة الزمان ، وما كان مستحقا في الأداء بجهة الزمان بطل استحقاقه في القضاء لفوات الزمان ،      [ ص: 58 ] كما أن تتابع رمضان مستحق في الأداء لتتابع الزمان ، غير مستحق في القضاء لفوات الزمان ، فعلى هذا إن تابع صيام الثلاثة وصيام السبعة أجزأه .  
والوجه الثاني : وهو ظاهر مذهب  الشافعي   ، أن التفرقة بينهما واجبة ، لأن وجوب التفرقة بينهما كان في الأداء من جهة الفعل لا من جهة الزمان لأنه قال :  فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم      [ البقرة : 195 ] ، فجعل السبعة بعد الرجوع ، والرجوع فعل لأنه إما أن يراد به الرجوع عن الحج ، أو الرجوع إلى الوطن ، وما كان مستحقا في الأداء من جهة الفعل ، لم يبطل استحقاقه في القضاء ، وإن مضى ذلك الفعل ، كما أن تتابع صوم الظهار ، ومستحق من جهة الفعل ، فلم يبطل استحقاق تتابعه بمضي ذلك الفعل ، فعلى هذا في قدر التفرقة بينهما وجهان :  
أحدهما : وهو قول  أبي سعيد الإصطخري   ، يفرق بينهما بأقل ما تكون به التفرقة ، وذلك يوم واحد : لأن التفرقة في الصوم ضد المتابعة ، فلما بطلت المتابعة بإفطار يوم ثبتت التفرقة بإفطار يوم واحد .  
والوجه الثاني : وهو قول  أبي إسحاق المروزي   ، وكثير من أصحابنا ، أن قدر التفرقة في القضاء معتبر بحاله في الأداء : لأنه لما وجبت الفرقة في القضاء لثبوتها في الأداء ، وجب أن يكون قدر التفرقة في القضاء قدر ما يقع عليه اسم التفرقة ولا يعتبر في القضاء قدر ما يقع عليه اسم التفرقة ، كما لم يعتبر في الأداء قدر ما يقع عليه اسم التفرقة ، فعلى هذا الأداء أصلان ، في كل أصل منهما قولان :  
أحد الأصلين جواز  صيام الثلاثة في أيام التشريق   وفي ذلك قولان :  
أحدهما : وهو قوله في القديم يجوز .  
والثاني : وهو الجديد لا يجوز .  
والأصل الثاني :  صيام السبعة هل يجوز إذا فرغ من حجه ؟   أو إذا رجع إلى بلده ؟ في ذلك قولان :  
أحدهما : وهو قوله في الإملاء : إذا رجع من حجه .  
والثاني : وهو قوله في الجديد ، إذا رجع إلى بلده ، فإذا ثبت هذان الأصلان ، كان قدر التفرقة مبنيا عليهما ، فتكون فيهما أربعة أقاويل :  
أحدها : يفرق بينهما بيوم ، إذا قيل : إنه يجوز أن يصوم الثلاثة في أيام  منى   ، ويصوم السبعة إذا فرغ من حجه ، ليقع بهذا اليوم التفرقة بين الصومين .  
 [ ص: 59 ] والقول الثاني : يفرق بينهما بأربعة أيام ، إذا قيل : إن صيام  منى   لا يجوز وإن صيام السبعة بعد فراغه من الحج ، فتكون التفرقة بيوم النحر ، وأيام  منى   الثلاثة .  
والقول الثالث : يفرق بينهما بيوم ، وقدر مسافة الطريق ، إذا قيل إن صيام أيام  منى   يجوز ، وصيام السبعة بعد الرجوع إلى الوطن .  
والقول الرابع : يفرق بينهما بالأربعة أيام وقدر مسافة الطريق إذا قيل الذي لا يصوم أيام  منى   ، ولا يصوم السبعة إلا بعد رجوعه إلى بلده .  
				
						
						
