فصل : والدلالة على صحة ما ذهب إليه  الشافعي      : قوله تعالى :  ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام      [ البقرة : 196 ] . والمراد  بالمسجد الحرام      : الحرم قال الله      [ ص: 63 ] تعالى :  سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام      [ الإسراء : 1 ] ، يعني : الحرم : لأنه لم يكن حين أسري به في المسجد ، وإنما كان في منزل   خديجة  ، وقال تعالى :  هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام      [ الفتح : 25 ] ، يعني : الحرم . وقال تعالى :  فلا يقربوا المسجد الحرام      [ التوبة : 28 ] ،  وكل موضع ذكر الله تعالى في كتابه الحرام فإنه أراد به الحرم   على ما دللنا إلا في قوله تعالى :  فول وجهك شطر المسجد الحرام      [ البقرة : 144 ] ، إنه أراد به  الكعبة   ، وإذا ثبت بما دللنا أن المراد  بالمسجد الحرام      : الحرم ، فحاضرو الحرم غير من في الحرم قال الله تعالى :  واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر      [ الأعراف : 163 ] ، قال أهل التفسير : هي " أبلة " ومعلوم أنها ليست في البحر ، وإنما هي مقاربة للبحر ، فإذا ثبت أنهم غير أهل الحرم ، بطل قول  مالك   ومن قارب قوله ، وانتقل الكلام إلى  أبي حنيفة   ، فيقال له :  حاضرو الحرم من كان قريبا منه دون من كان بعيدا   ، كما يقال : كنت بحضرة فلان ، أي قريبا منه ، وهذه حضرة الملك للبلد الذي متوليه لأنه أقرب البلاد إليه ، فإن كان كذلك فاعتبار القرب بما لا تقصر فيه الصلاة أولى من اعتباره بالميقات : لأمرين :  
أحدهما : أن من فيه في حكم المقيم  بمكة   ، بدليل أنه لا يستبيح رخص السفر ، فكانوا بالقرب أولى من أهل الميقات الذين قد يستبيحون رخص السفر كالأباعد .  
والثاني : أنه لا يختلف باختلاف الجهات ، والأمكنة ، ومواقيت البلاد مختلفة ، فميقات المشرق  ذات عرق   ، وهي على مسافة يوم ، وميقات  المدينة   ذو الحليفة   ، وهي على مسيرة عشرة أيام ، فيؤدي إلى أن من كان فوق  ذات عرق   بذراع فهو بعيد من الحرم ، وليس من حاضريه ، وبينهما مسافة يوم ، ومن كان  بذي الحليفة   فهو قريب من الحرم ومن جملة حاضريه ، وبينهما عشرة أيام ، وهذا بعيد في المعقول فاسد في العبرة .  
ويدل على  مالك   من طريق القياس أن يقال : كل من لم يستبح رخص السفر فهو من حاضري الحرم ،  وكأهل  ذي طوى       .  
فأما  أبو حنيفة   ، فالخلاف معه يتقرر في موضعين :  
أحدهما : من كان فوق الميقات على مسافة لا تقصر في مثلها الصلاة ، فعنده أنه ليس من حاضري الحرم ، وعندنا أنه من حاضريه .  
والدلالة عليه من طريق القياس ، أن من استباح رخص السفر لم يكن من حاضري الحرم ، كمن جاوز الميقات ، فأما الجواب عما استدل به مالك من الآية ، فقد مضى في الاستدلال بها عليه .  
 [ ص: 64 ] وأما الجواب عما ذكره من وجوب دم الفوات مخالفة لأهل الحرم : وهو أن الحرم ميقات لأهله دون غيرهم ، وليس من كان من حاضري الحرم من أهل الحرم ، فلم يجز لهم الإحرام من المحرم ، فلزمهم الدم لإخلالهم بالإحرام من ميقاتهم ، وأما قياس  أبي حنيفة   على  منى   وعرفات   ، فالمعنى فيهما أنهما على مسافة لا تقصر في مثلها الصلاة .  
وأما قوله إنها جعلت حدا بين القريب والبعيد ، فغير صحيح : لأنها جعلت حدا للإحرام ، ولم تجعل حدا للقرب والبعد ، ولو جعلت حدا للقرب والبعد لاستوت المواقيت كلها في القرب والبعد .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					