فصل : فإذا  فرغ المتمتع من عمرته وأحل منها   ، فهو حلال كغيره ، وله أن يتطيب ويستمتع بالنساء ، ما لم يحرم بالحج ، سواء ساق هديا أو لم يسق .  
 [ ص: 65 ] وقال  أبو حنيفة      : إن لم يسق هديا جاز ، وإن ساق هديا لم يجز احتجاجا مما روي عن  حفصة     : أنها قالت : "  يا رسول الله ما بال الناس حلوا من عمرتهم ولم تحل من عمرتك قال : " لأني لبدت رأسي فقلدت الهدي ، ولا أحل حتى انحر     " فأخبر أن سوق الهدي منعه من التحلل من عمرته ، فدل على أنه " مانع له ولغيره . وروي عن  عائشة  أنها قالت :  خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع ، فأحرمنا بعمرة ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : من كان معه هدي فليهل بالحج ، ثم لا يحل حتى يفرغ منهما جميعا     .  
والدلالة على صحة ما ذهبنا إليه رواية  مالك   عن  الزهري   عن  عروة   عن  عائشة  أنها قالت :  خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع ، فمنا من أهل بالحج ، ومنا من أهل بالعمرة ، ومنا من أهل بالحج والعمرة ، فأما الذين أهلوا بالعمرة ، فطافوا وسعوا بين  الصفا   والمروة   وأحلوا ، فأخبرت أن من أهل بالعمرة أحل منها ، وقد كان منهم من ساق هديا  فدل على أن سوق الهدي غير مانع من الإحلال ، ولأنه متمتع أكمل أفعال عمرته ، فوجب أن يجوز له التحلل منها كمن لم يسق الهدي ، ولأن كل ما كان وقتا للإحلال لمن لا هدي معه ، كان وقتا لإحلال من معه الهدي ، كالمفرد والقارن ، يحل إذا كان معه هدي ، في الوقت الذي يحل إذا لم يكن معه هدي ، كذلك المتمتع ، ولأنه سمي متمتعا لتمتعه بين الإحرامين ، فلم يجز أن يمنع منه ، لأن الاسم يزول عنه .  
فأما الجواب عن حديث  حفصة  رضي الله عنها فمن وجهين :  
أحدهما : أنهم لا يثبتونه ، لأنه يدل على أنه كان متمتعا ، وهم يرون أنه كان قارنا ، ونحن نرى أنه كان مفردا ، فلم يصح لنا ولهم الاحتجاج به ، لاعتقادنا خلافه .  
والجواب الثاني : تسليم الحديث لهم ، وترك منعهم منه ، وتأوله على ما يصح فيقول :  
إن معنى قول  حفصة  رضي الله عنها :  ما بال الناس قد حلوا من عمرتهم ولم تحل من عمرتك  ، أي ما بال الناس حلوا من حجهم بعمل عمرتهم ولم تحل أنت من حجك بعمل عمرة ، لا أنهم كانوا أحرموا معه ابتداء بعمرة أحلوا منها دونه لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قد أحرم هو وأصحابه بالحج على ما روينا من قبل ، ثم أمر من لا هدي معه أن يفسخ حجه إلى عمرة ، ومن معه هدي أن يقيم على حجه ، وقيل : بل كان إحرامه وإحرامهم موقوفا ، فأمر من لا هدي معه أن يصرف إحرامه إلى عمرة ، ومن معه هدي أن يصرفه إلى الحج ، فلما رأت  حفصة  أنهم قد أحلوا من إحرامهم بعمل عمرة ، وهو باق على إحرامه لم يتحلل بعمل عمرة ، سألته عن ذلك ، فقال صلى الله عليه وسلم :  أني لبدت رأسي وقلدت الهدي فلا أحل حتى أنحر  فأخبرها عن السبب الذي منعه من التحلل بعمل عمرة ، فلم يكن فيه  لأبي حنيفة   دلالة .  
 [ ص: 66 ] وأما حديث  عائشة  رضي الله عنها فالمروي عنها خلافه ، على أنه لا حجة فيه أيضا : لأن قوله صلى الله عليه وسلم : "  ومن كان معه هدي فليهل بالحج     " . إنما هو أمر منه عليه السلام لمن كان أحرم بالعمرة أن يهل بالحج فيصير قارنا ، ثم أمره أن لا يحل حتى يفرغ منها جميعا ، وكذا نقول في القارن : إنه لا يحل حتى يفرغ من النسكين جميعا .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					