فصل : فإذا ثبت تحديد المواقيت بما ذكرنا ، فلا يجوز مجاوزتها بالإحرام ، ويجوز التقدم عليها بالإحرام ، وفي الأولى قولان :  
أحدهما : وهو قوله في الإملاء أن الأولى أن  يحرم الرجل من دويرة أهله   بعد أخذه في السير ، فأما قبل أخذه فلا ، وبه قال  أحمد   وإسحاق   لقوله تعالى :  وأتموا الحج والعمرة لله      [ البقرة : 196 ] ، وقد قال  عمر   وعلي   رضوان الله عليهما : إتمامهما أن تحرم بهما من دويرة أهلك ، قال  الشافعي      : والإتمام أفضل ، وروت   أم سلمة     : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :  من أحرم من  المسجد الأقصى   غفر له  ، وروي أن  عبد الله بن عمر   أحرم من  بيت المقدس   ، وروي أن  عبد الله بن عباس   أحرم من  الشام   ، وروي أن  عبد الله بن عامر بن      [ ص: 70 ] كريز   أحرم من  هراة خراسان   في زمن  عثمان بن عفان   رضي الله عنه ، ولم يرو عن أحد من الصحابة إنكار ذلك عليه ، وعدوه من فضائله ، مع أنه كان واليا تحصى آثاره ، وتعد هفواته : ولأن الإحرام نسك ، وقطع المسافة طاعة ، فكان فعله أولى من تركه .  
والقول الثاني : إن  الإحرام من الميقات   أولى : وبه قال من التابعين  عطاء   ،  والحسن      .  
ومن الفقهاء  مالك بن أنس   ، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم حج مرة واعتمر ثلاثا ، فأحرم في جميعها من الميقات ، ولم يحرم في شيء منها قبل الميقات ، ولو كان الإحرام قبل الميقات أفضل ، وهو لا يعدل عن الأفضل لاختياره لنفسه ولفعله ولو مرة ينبه الناس على فضله ، وروي عن  عمران بن حصين   أنه أحرم من  البصرة   ، فأنكر عليه  عمر بن الخطاب   ، وأغلظ له ، وقال : يحدث أن رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحرم من مصر من الأمصار ، ولأن ترك الإحرام قبل الميقات مباح ، وفعل المحرم ، ما نهي عنه من الطيب ، واللباس ، وإتيان النساء معصية ، وهو إذا أحرم لم يأمن مواقعة المعصية باللباس والجماع المقتضي إلى الإفساد ، فكان ترك ما هو مباح من الإحرام لأجل ما هو معصية من اللباس والجماع أولى ومن الغرر أبعد .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					