فصل : فأما فلا يجوز لبسه مع وجود الإزار فإن لبست مع وجود الإزار افتدى ، وإن عدم الإزار ، جاز أن يلبس السراويل ، ولا فدية عليه . السراويل
وقال مالك : لا يجوز أن يلبس السراويل ؟ لا مع وجود الإزار ، ولا مع عدمه ، فإن لبسه افتدى .
وقال أبو حنيفة يجوز أن يلبس السراويل مع عدم الإزار ، وعليه الفدية مع إباحته عنده ، استدلالا بأن ما لزمته الفدية بلبسه غير معذور ، لزمته الفدية بلبسه وإن كان معذورا كالقميص ، ولأن من لزمته الفدية بلبس القميص ، لزمته الفدية بلبس السراويل ، كغير المعذور : لأن أصول الحج موضوعة على التسوية بين المعذور ، وغير المعذور ، فما يوجب الفدية ، كالحلق ، وقتل الصيد ، كذلك هنا .
والدلالة على صحة ما ذكرنا رواية أبي الشعثاء جابر بن زيد عن ابن عباس قال :
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب وهو يقول : " " . فنص الخبر . دليل على من لم يجد إزارا فليلبس سراويل ، ومن لم يجد نعلين فليلبس خفين مالك في جواز لبسه ، وفيه دليلان على أبي حنيفة في سقوط الفدية في لبسه .
أحدهما : أنه جعل السراويل مع عدم الإزار ، في حكم المباحات من الملبوسات التي أضرب عن النهي عنها ، ولم يوجب الفدية في لبسها .
والثاني : أنه جعله بدلا من الإزار عند عدمه ، فوجب أن يكون في حكم مبدله ، ولأنه لبس أبيح بالشرع لفظا ، فوجب أن لا تلزم فيه الفدية ، كالإزار ، ولأنه لبس لا يمكن ستر العورة إلا به ، فوجب أن لا يلزم فيه الفدية ، كالقميص للمرأة .
وأما الجواب عن قياسهم على لبس القميص ، واستشهادهم بالأصول ، فالجواب عنها واحد ، وهو أن لبس السراويل أبيح لستر العورة ، وذلك لأجل الغير ، ولبس القميص ، وحلق الشعر ، وإن أبيح له إذا اضطر إليه لأجل نفسه ، والأصول في الحج ، موضوعة على الفرق بين ما أبيح لمعنى فيه وبين ما أبيح لمعنى غيره ، ألا ترى أن المحرم لو اضطر إلى أكل الصيد لمجاعة نالته فقتله افتدى ، وإن كان مباحا له : لأنه استباحه لأجل نفسه ، ولو صال عليه الصيد فخافه على نفسه فقتله لم يفتد : لأنه استباح قتله لأجل الصيد .
ثم فرق بين القميص والسراويل من وجه آخر ، وهو أن السراويل إذا اتزر به ضاق عن ستر عورته ، فاضطر إلى لبسه ليستر عورته والقميص إن اتزر به اتسع لستر جميع عورته فلم يضطر إلى لبسه لستر عورته .
[ ص: 99 ] وأما قياسهم على غير المعذور ، فغير صحيح ، لأن المعذور ليس مباحا ، فلم يلزمه الفدية ، وغير المعذور ليس محظورا فلزمته الفدية .