مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " وإن كان حاجا أو قارنا أجزأه طواف واحد لحجه وعمرته ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لعائشة ، وكانت قارنا : . طوافك يكفيك لحجك وعمرتك
قال الماوردي : وهذا كما قال : وسعي واحد ، وهو إجماع الصحابة ، وقول الأكثرين من التابعين والفقهاء ، وقال القارن بين الحج والعمرة في إحرامه كالمفرد ، يجزئه لها طواف واحد ، أبو حنيفة والثوري : عليه طوافان وسعيان : استدلالا بقوله تعالى : وأتموا الحج والعمرة لله [ البقرة : 196 ] فكان الأمر بإتمامهما يوجب الإتيان بأفعالهما ، وروى عمران بن الحصين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من جمع بين الحج والعمرة ، فعليه طوافان " وروى عمارة بن عبد الرحمن قال : حججت مع إبراهيم بن محمد ابن الحنفية رضي الله عنهم فطاف طوافين ، وقال حججت مع محمد ابن الحنفية فطاف طوافين ، وقال حججت مع علي رضي الله عنه فطاف طوافين ، وقال حججت مع النبي صلى الله عليه وسلم فطاف طوافين .
[ ص: 165 ] قال : ولأنهما نسكان ، فوجب أن يلزمه طوافان ، كما لو أفردهما .
قال : ولأن العبادتين إنما يتداخلان إذا اتفقتا في الأفعال والأحكام كالحدود وغيرها ، فأما إذا اختلفتا في الأفعال أو الأحكام لم يتداخلا ، والحج والعمرة مختلفان في الأفعال والأحكام ، فاختلافهما في الأفعال أن في الحج وقوفا ورميا ليس في العمرة ، واختلافهما في الأحكام أن للحج إحلالين ، وللعمرة واحدا ، والحلق في الحج متقدم على الطواف والسعي ، وفي العمرة متأخر فلم يجز أن يتداخلا .
والدلالة على صحة ما ذهبنا إليه رواية عبيد الله عن نافع ، عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " " وروى من جمع حجا إلى عمرة فليطف لهما طوافا واحدا ابن أبي نجيح عن عطاء عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة : وروى طوافك بالبيت وسعيك بين الصفا والمروة يجزئك لحجك وعمرتك جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : . وقد ذكرنا أن أحد تأويله أنهما في الإفراد والقران واحد ، لا ينافي القران ؛ ولأنه إجماع الصحابة رضي الله عنهم روت السعي والطواف تو عائشة رضى الله عنها ، وجابر أنهما قالا : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع ، فمنا من أهل بالحج ، ومنا من أهل بالعمرة ، ومنا من قرن ، فأما الذين قرنوا فطافوا طوافا واحدا ، وسعوا سعيا واحدا ، وكان طاوس يحلف بالله أنه ما أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قرن فطاف طوافين ، فثبت أنه إجماع ؛ ولأنه نسك ، يكتفى فيه بحلاق واحد ، فوجب أن يكتفى فيه بطواف واحد كالإفراد ؛ ولأنه فعل يقع في كل واحد من النسكين ، فوجب أن يكتفى بالفعل الواحد منه مع اجتماع النسكين كالحلاق .
فأما استدلاله بالآية فإتمامها على ما روي عن عمر ، وعلي أن يحرم بهما من دويرة أهله .
وأما حديث عمران بن الحصين فمحمول على المتمتع الذي قد جمع بينهما بإحرامين .
وأما حديث علي فغير ثابت : لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مفردا ، ولم يكن قارنا ، وقد تقدمت الدلالة عليه ، وأما قياسهم على من أفردهما ، فالمعنى فيه أنه يفتقر إلى حلاقين ، فكذلك ما افتقر إلى طوافين ، ولما كان على القارن حلاق واحد ، كان عليه طواف واحد .
وأما قولهم إن اختلاف العبادتين يمنع من تداخلهما ، وإنما يتداخل ما اتفقا .
قيل : صحيح إنما يتداخل منهما ما اتفق دون ما اختلف ، وهو الطواف والسعي الموافق للطواف والسعي ، دون ما اختلف من الوقوف والرمي .
فإن قيل : فإنهما وإن اتفقا في الفعل فهما مختلفان في الحكم .
[ ص: 166 ] قيل : اختلاف الحكم لا يمنع من التداخل ألا ترى أن بقاء الغسل من الحيض مخالف لبقاء الغسل من الجنابة في الحكم ، ثم إذا اجتمعا تداخلا ؛ لاتفاقهما في الفعل ، وإن اختلفا في الحكم .