فصل : فأما إذا  أرادت المرأة أن تبتدئ بالحج   ، فإن كان فرضا جاز أن تخرج مع ذي محرم ، أو مع نساء ثقات ولو كانت امرأة واحدة ، إذا كان الطريق آمنا ، ولا يجوز أن  تخرج بلا محرم ولا امرأة تثق بها   وإن كان حجها واجبا ، ومن أصحابنا من قال : إذا كان الطريق آمنا لا تخاف خلوة الرجال معها ، جاز أن تخرج بغير محرم ، وبغير امرأة ثقة ، وهو خلاف نص  الشافعي      - رضي الله عنه - .  
فأما  إن كان الحج تطوعا   ، لم يجز أن تخرج إلا مع ذي محرم ، وكذلك في السفر المباح ، كسفر الزيارة والتجارة ، لا يجوز أن تخرج في شيء منها إلا مع ذي محرم ، ومن أصحابنا من قال : يجوز أن تخرج مع نساء ثقات ، كسفر الحج الواجب ، وهو خلاف نص  الشافعي   ، وقال  مالك      : يجوز أن تخرج في الفرض مع نساء ثقات ، لكن لا يجوز أن تخرج مع امرأة واحدة ، وقال  أبو حنيفة      : لا يجوز أن تخرج في الفرض والتطوع إلا مع ذي محرم ؛ استدلالا برواية  الأعمش   عن  أبي صالح   عن  أبي سعيد الخدري   أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :  لا تسافر امرأة فوق ثلاثة أيام إلا ومعها أخوها أو أبوها أو زوجها أو محرم  ، وبرواية  أبي      [ ص: 364 ] سعيد بن أبي سعيد المقبري   عن أبي عن  أبي هريرة   أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :  لا تسافر امرأة مسيرة يوم وليلة إلا مع محرم  ، وبرواية  ابن عباس   أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :  لا تحجن امرأة إلا مع ذي محرم     : ولأنه سفر تقصر في مثله الصلاة ، فلم يجز لها قطعه بغير محرم كالأسفار المباحة ، ولأن حج التطوع قد يلزم بالدخول فيه كالفرض ، فلما لم يجز لها الخروج في التطوع إلا مع ذي محرم ، وإن صار بالدخول فرضا ، فكذلك إذا كان ابتداؤه فرضا ، ودليلنا على جواز خروجها بغير محرم ، رواية  أبي عبيدة   عن  عدي بن حاتم   أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :  لتوشك الظعينة تخرج من الحيرة بغير خفار حتى تطوف  بالكعبة   ، ويوشك أن تفتح كنوز  كسرى بن هرمز   ، ويوشك الرجل يسعى يبتغي أن يؤخذ ماله صدقة فلا تقبل منه  ، فلقد رأيت الظعينة تخرج من الحيرة حتى تطوف  بالكعبة   بغير خفار ، وكنت في الخيل التي أغارت على المدائن حتى فتحوا كنوز  كسرى   ، والله لتكونن الثالثة ، فموضع الدليل من هذا أنه أخبر أن من استقامة الزمان أن تخرج المرأة إلى الحج بغير خفار ، ولو كان ذلك غير جائز لكان الزمان بفعله غير مستقيم ، فروي عن  عمر بن الخطاب      - رضي الله عنه - قال : أحجوا هذه الذرية ، ولا تأكلوا أرزاقها وتدعوا أوباقها في أعناقها ، فأمر بالإذن للنساء في الحج وأن لا يمنعن منه ، ولم يشترط في إخراجهن ذا محرم : ولأنه سفر واجب ، فوجب أن لا يكون المحرم شرطا في قطعه : ولأن كل عبادة لم يكن المحرم شرطا في وجوبها لم يكن شرطا في أدائها كسائر العبادات ، واستدلال  الشافعي   وهو أنه إذا ادعي عند الحاكم على امرأة غائبة دعوى ، فإن الحاكم يبعث إليها ليحضرها ، فإن لم يكن لها محرم إذا كانت ممن تبرز ، فإذا وجب عليها الخروج بلا محرم في حق لا يتحقق وجوبه عليها ، إذ قد يجوز أن يكون مبطلا في الدعوى عليها ، فلأن يجب في حق يتحقق وجوبه عليها أولى ، فأما الجواب عن حديث  أبي سعيد   وأبي هريرة   فمحمول بدلالتنا على السفر المباح دون الواجب ، وأما حديث  ابن عباس   فمحمول وإن صح على حج التطوع .  
وأما قياسهم على التطوع فمنتقض بالهجرة كما أن التطوع قد يلزم بالدخول فيه كالهجرة ثم كان أضعف حالا من الهجرة ، ثم المعنى فيه لو صح أنه غير واجب ، وأما قوله : إن التطوع قد يلزم بالدخول كالفرض إن كان لازما بالدخول كالفرض فهو أضعف حالا من الفرض ، فيكون فرقا بين الفرض والتطوع ، كفرقهم بين الهجرة والتطوع .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					