القسم الثاني : المياه المختصة ببعض الناس ، وهي مياه الآبار والقنوات . 
واعلم أن البئر يتصور حفرها على أوجه . أحدها : الحفر في المنازل للمارة . والثاني : الحفر في الموات على قصد الارتفاق لا للتملك ، كمن ينزل في الموات فيحفر للشرب وسقي الدواب . 
والثالث : الحفر بنية التملك . والرابع : الحفر الخالي عن هذه القصود . فأما المحفورة للمارة  ، فماؤها مشترك بينهم ، والحافر كأحدهم ، ويجوز الاستقاء منها للشرب ، وسقي الزروع ، فإن ضاق عنهما ، فالشرب أولى . وأما المحفورة للارتفاق دون التملك  ، فالحافر أولى بمائها إلى أن يرتحل ، لكن ليس له منع ما فضل عنه عن محتاج إليه للشرب إذا استقى بدلو نفسه ، ولا منع مواشيه ، وله منع غيره من سقي الزرع به . وفيه احتمال للإمام ، لأنه لم يملكه ، والاختصاص يكون بقدر الحاجة ، وبهذا قطع  المتولي  ، فحصل وجهان . 
قلت : الأول هو الصحيح المعروف . والله أعلم . 
ويعتبر في الفاضل الذي يجب بذله  ، أن يفضل عن نفسه وماشيته وزرعه . قال الإمام : وفي المزارع احتمال على بعد . 
قلت : المراد : الفاضل الذي يجب بذله لماشية غيره . أما الواجب بذله لعطش آدمي محترم ، فلا يشترط فيه أن يفضل عن المزارع والماشية . والله أعلم . 
وإذا ارتحل المرتفق ، صارت البئر كالمحفورة للمارة ، فإن عاد ، فهو كغيره . 
وأما المحفورة للتملك وفي ملك ، فهل يكون ماؤها ملكا ؟  وجهان . أصحهما : نعم ، وبه قال   ابن أبي هريرة  ، وهو المنصوص في القديم ، وحرملة ، لأنه نماء ملكه   [ ص: 310 ] ، كالثمرة واللبن ، ويجري الخلاف فيما إذا انفجرت عين في ملكه    . فإن قلنا : لا يملك ، فنبع وخرج منه ، ملكه من أخذه . وإن قلنا بالأصح : لا يملكه الآخذ ، ولو دخل رجل ملكه وأخذه ، ففي ملكه الوجهان . وسواء قلنا : يملك ، أم لا ، فلا يجب على صاحب البئر بذل الفاضل عن حاجته لزرع غيره على الصحيح ، ويجب بذله للماشية  على الصحيح . وللوجوب شروط . 
أحدها : أن لا يجد صاحب الماشية ماء مباحا . والثاني : أن يكون هناك كلأ يرعى ، وإلا ، فلا يجب على المذهب . وقال  المتولي     : فيه وجهان . الثالث : أن يكون الماء في مستقره ، فأما الماء الموجود في إناء ، فلا يجب بذل فضله على الصحيح . ثم عابرو السبيل ، يبذل لهم ولمواشيهم . وفيمن أراد الإقامة في الموضع وجهان ، لأنه لا ضرورة [ به ] إلى الإقامة . 
قلت : الأصح : الوجوب كغيره . وإذا وجب البذل ، مكن الماشية من حضور البئر بشرط أن لا يكون على صاحب الماء ضرر في زرع ولا ماشية . فإن لحقه ضرر بورودها ، منعت ، لكن يجوز للرعاة استقاء فضل الماء لها ، قاله  الماوردي     . والله أعلم . 
وهل يجب البذل للرعاة  كما يجب للماشية ؟ وجهان حكاهما   ابن كج     . أصحهما : يجب ، لأن البذل لسقاة الناس رعاة كانوا أو غيرهم ، أولى من البذل للماشية ، على أن الإمام نقل في المنع من الشرب على الإطلاق وجهين إذا قلنا : مملوك . وإذا أوجبنا البذل ، هل يجوز أن يأخذ عليه عوضا كإطعام المضطر ؟ وجهان ، الصحيح : لا ، للحديث [ الصحيح ] أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع فضل الماء    . 
قلت : قال  الماوردي     : لو كان هناك ماءان مملوكان لرجلين ، لزمهما البذل . فإن اكتفت الماشية ببذل أحدهما ، سقط الفرض عن الآخر ، قال : وإذا لم توجد شروط   [ ص: 311 ] وجوب البذل ، جاز لمالكه أخذ ثمنه إذا باعه مقدرا بكيل أو وزن ، ولا يجوز ، بيعه مقدرا بري الماشية ولا الزرع . والله أعلم . 
وأما المحفورة بلا قصد  ، ففيها وجهان . أصحهما : لا اختصاص له بمائها ، والناس كلهم فيه سواء . والثاني : يختص بقدر حاجته ، كما أن الإحياء يفيد الملك وإن لم يقصده . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					