الباب الثاني في المنافع المشتركة وغيرها 
بقاع الأرض إما مملوكة  ، وإما محبوسة على الحقوق العامة كالشوارع والمساجد والمقابر والرباطات ، وإما منفكة عن الحقوق العامة والخاصة ، وهي الموات . أما المملوكة ، فمنفعتها تتبع الرقبة . وأما الشوارع ، فمنفعتها  الأصلية : الطروق . ويجوز الوقوف والجلوس فيها لغرض الاستراحة والمعاملة ونحوهما ، بشرط أن لا يضيق على المارة ، سواء أذن فيه الإمام ، أم لا ، وله أن يظلل على موضع جلوسه بما لا يضر بالمارة من ثوب وبارية ونحوهما . 
وفي بناء الدكة  ، ما ذكرناه في كتاب الصلح . ولو سبق اثنان إلى موضع ، فهل يقرع بينهما ، أم يقدم الإمام أحدهما ؟  وجهان . 
 [ ص: 295 ] أصحهما : الأول . وفي ثبوت هذا الارتفاق لأهل الذمة  وجهان حكاهما   ابن كج  ، وهل لإقطاع الإمام فيه مدخل ؟ وجهان . أصحهما عند الجمهور : نعم ، وهو المنصوص ، لأن له نظرا فيه ، ولهذا يزعج من أضر جلوسه . 
وأما تملك شيء من ذلك ، فلا سبيل إليه بحال . وحكي وجه في " الرقم "  للعبادي  ، وشرح مختصر  الجويني   لابن طاهر  ، أن للإمام أن يتملك من الشوارع ما فضل عن حاجة الطروق ، والمعروف الأول . 
قلت : وليس للإمام ولا غيره من الولاة أن يأخذ ممن يرتفق بالجلوس والبيع ونحوه في الشوارع عوضا  بلا خلاف والله أعلم . 
فرع 
من جلس في موضع من الشارع ، ثم قام عنه  ، إن كان جلوسه لاستراحة وشبهها ، بطل حقه . وإن كان لحرفة ومعاملة ، فإن فارقه على أن لا يعود لتركه الحرفة ، أو لقعوده في موضع آخر ، بطل حقه أيضا . وإن فارقه على أن يعود فالمذهب ما ضبطه الإمام   والغزالي     : أنه إن مضى زمن ينقطع فيه الذين ألفوا معاملته ، بطل . وإن كان دونه ، فلا . وسواء فارق بعذر سفر ومرض ، أو بلا عذر ، فعلى هذا لا يبطل حقه بالرجوع في الليل إلى بيته ، وليس لغيره مزاحمته في اليوم الثاني ، وكذا الأسواق التي تقام في كل أسبوع ، أو في كل شهر مرة ، إذا اتخذ فيها مقعدا  ، كان أحق به في النوبة الثانية . 
وقال  الإصطخري     : إذا رجع ليلا ، فمن سبقه أحق . وقال طائفة منهم القاضي  وابن الصباغ     : إن جلس بإقطاع الإمام ، لم يبطل بقيامه . وإن استقل وترك فيه شيئا من متاعه ، بقي حقه ، وإلا ، فلا . وإذا قلنا بالأول ، فأراد غيره الجلوس فيه مدة غيبته القصيرة إلى أن يعود ، فإن كان لغير معاملة ، لم يمنع قطعا ، وإلا ، لم يمنع أيضا على الأصح . 
 [ ص: 296 ] قلت : وإذا وضع الناس الأمتعة وآلات البناء ونحو ذلك في مسالك الأسواق والشوارع ارتفاقا لينقلوها شيئا بعد شيء  ، منعوا منه إن أضر بالمارة إضرارا ظاهرا ، وإلا فلا ، ذكره  الماوردي  في " الأحكام السلطانية " . والله أعلم . 
فرع 
يختص الجالس أيضا بما حوله بقدر ما يحتاج إليه لوضع متاعه ووقوف معامليه  ، وليس لغيره أن يقعد حيث يمنع رؤية متاعه أو وصول المعاملين إليه ، أو يضيق عليه الكيل أو الوزن والأخذ والعطاء . 
قلت : وليس له منع من قعد لبيع مثل متاعه إذا لم يزاحمه فيما يختص به من المرافق المذكورة . والله أعلم . 
فرع 
الجوال الذي يقعد كل يوم في موضع من السوق  ، يبطل حقه بمفارقته . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					