الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
وإن قهقه أو نفخ ، أو انتحب ، فبان حرفان ، فهو كالكلام إلا ما كان من خشية الله تعالى . وقال أصحابنا في النحنحة مثل ذلك ، وقد روي عن أبي عبد الله أنه كان يتنحنح في الصلاة ولا يراها مبطلة للصلاة .
( وإن قهقه أو نفخ أو انتحب ، فبان حرفان ، فهو كالكلام ، إلا ما كان من خشية الله تعالى ) وفيه مسائل .
الأولى : nindex.php?page=treesubj&link=1600إذا قهقه ، وهي ضحكة معروفة ، فإن قال : قه قه فالأظهر أنها تبطل به ، وإن لم يبن حرفان ، ذكره في " المغني " وقدمه الأكثر ، كالمتن ، وحكاه ابن المنذر إجماعا ، لما روى جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=10338837القهقهة تنقض الصلاة ، ولا تنقض الوضوء رواه nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني بإسناد فيه ضعف ، ولأنه تعمد [ ص: 516 ] فيها بما ينافيها أشبه الآدمي ، وظاهره أنها لا تفسد بالتبسم ، وهو قول الأكثر حكاه ابن المنذر .
الثانية : nindex.php?page=treesubj&link=32731إذا نفخ فيها فهو كالكلام إذا بان حرفان ذكره في المذهب ، و " الوجيز " وصححه المؤلف لما روي عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال : من نفخ في صلاته فقد تكلم . رواه سعيد ، وعن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة نحوه ، لكن قال ابن المنذر : لا يثبت عنهما ، وعنه : تبطل مطلقا لظاهر ما ذكرنا ، وعنه : عكسها ، روي عن جماعة منهم nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود ، وقيل nindex.php?page=showalam&ids=154لقدامة بن عبد الله : نتأذى بريش الحمام إذا سجدنا ، فقال : انفخوا . رواه البيهقي بإسناد حسن ، وقدامة صحابي ، وعن nindex.php?page=showalam&ids=13عبد الله بن عمرو nindex.php?page=hadith&LINKID=10338838أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نفخ في صلاة الكسوف رواه أحمد ، وأبو داود بإسناد حسن ، nindex.php?page=showalam&ids=12070والبخاري تعليقا ، وكالحرف الواحد ، والأولى حمله على ما إذا لم ينتظم حرفان فإن انتظم بطلت .
الثالثة : nindex.php?page=treesubj&link=24993إذا انتحب بأن رفع صوته بالبكاء من غير خشية ، كالكلام إذا بان حرفان ، لأنه من جنس كلام الآدميين ، وظاهره لا فرق بين ما غلب صاحبه ، وما لم يغلبه ، لكن قال في " المغني " و " النهاية " : إنه إذا غلب صاحبه لم يضره لكونه غير داخل في وسعه ، ولم يحكيا فيه خلافا . قوله : فهو كالكلام أي : يبطل إن كان عمدا ، وإن كان ساهيا أو جاهلا خرج على الروايتين .
الرابعة : nindex.php?page=treesubj&link=24993إذا انتحب من خشية الله تعالى أنه لا يضر ، لما روى nindex.php?page=showalam&ids=17098مطرف بن عبد الله بن الشخير عن أبيه قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=10338839رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي ، ولصدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء رواه أحمد ، وأبو داود . قال أحمد : كان عمر [ ص: 517 ] يبكي حتى يسمع له نشيج ، وذكره nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري عن nindex.php?page=showalam&ids=16439عبد الله بن شداد أنه سمعه ، وهو في آخر الصفوف ، وظاهره ، وإن لم يكن عن غلبة ، وقاله القاضي ، وأبو الخطاب ، وصححه ابن تميم ، وهو ظاهر كلام الأكثر ، لأن الله تعالى مدح الباكين فقال nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=58خروا سجدا وبكيا [ مريم : 58 ] nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=109ويخرون للأذقان يبكون [ الإسراء : 109 ] ، وهو عام فيما تضمن حرفا أو حروفا ، ولأنه ذكر ودعاء ، ولهذا مدح إبراهيم فقال nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=114إن إبراهيم لأواه حليم [ التوبة : 114 ] ، وفي التفسير أنه كان يتأوه خوفا من الله تعالى .
والثاني : تبطل ذكره المؤلف أنه الأشبه بأصول أحمد ، لعموم النصوص ، والمدح على البكاء لا يخصصه ، كرد السلام ، وتشميت العاطس ، وكما لو لم يكن من خشية ، لأنه يقع على الهجاء ، ويدل بنفسه على المعنى كالكلام ، وإن استدعى البكاء كره ، كالضحك ، وإلا فلا .
فرع : nindex.php?page=treesubj&link=24993إذا تأوه أو أن ، فبان حرفان من خوف الله تعالى لم تبطل ، وإن كان عن غير غلبة ، لأن الكلام لا ينسب إليه ، ولا يتعلق به حكم من أحكام الكلام ، فدل أنهما nindex.php?page=treesubj&link=24993إذا ظهرا من بكاء أو بصاق أو تثاؤب أو سعال لا من خشية الله تعالى أنها تبطل قال في " المستوعب " وغيره : إذا قلنا إن الكلام ناسيا لا تبطل الصلاة به ، فما كان من هذه الأشياء غالبا لا تبطل به ، وإن بان حرفان ( وقال أصحابنا nindex.php?page=treesubj&link=26383في النحنحة مثل ذلك ) أي : هي كالنفخ ، والقهقهة ، إن بان حرفان فسدت ، لأنه إذا أبانهما كان متكلما ، أشبه ما لو أن ( وقد روي عن أبي عبد الله أنه كان يتنحنح في الصلاة ) نقلها المروذي ، ومهنا .
[ ص: 518 ] ( ولا يراها مبطلة للصلاة ) اختارها المؤلف ، ويعضده ما روى أحمد ، nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه عن علي قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=10338840كان لي مدخلان من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالليل ، والنهار ، فإذا دخلت عليه ، وهو يصلي يتنحنح لي ، nindex.php?page=showalam&ids=15397وللنسائي معناه ، ولأنه صوت لا يدل بنفسه ، ولا مع لفظ غيره على معنى ، لكونها حروفا غير محققة ، كصوت أعقل ، ولا يسمى فاعلها متكلما ، بخلاف النفخ ، والتأوه ، وأطلق في " المحرر " الروايتين ، وقيل : nindex.php?page=treesubj&link=26383إن تنحنح لضرورة ، أو حرفان فوجهان ، وحمل الأصحاب ما روي عن الإمام أحمد أنه لم يأت بحرفين ، ورده المؤلف بأن ظاهر حاله أنه لم يعتبر ذلك ، لأن الحاجة تدعو إليها .