وفي الحديث المشهور عن أنه قال: ثوبان والذين يكنزون الذهب والفضة فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "تبا للذهب والفضة" . قالوا: يا رسول الله، فما نتخذ؟ قال: "ليتخذ أحدكم قلبا شاكرا، ولسانا ذاكرا . وزوجة صالحة تعين أحدكم على إيمانه " . لما نزلت هذه الآية :
قال بعضهم: إنما سمي الذهب ذهبا، لأنه يذهب، وسميت الفضة فضة لأنها تنفض، يعني تنفض بسرعة، فلا بقاء لهما، فمن كنزهما فقد أراد بقاء ما لا بقاء له، فإن نفعهما ما هو إلا بإنفاقهما في وجوه البر وسبل الخير .
وقال بئس الرفيق الدرهم والدينار; لا ينفعانك حتى يفارقانك . فما داما مكنوزين فما يضران ولا ينفعان، وإنما نفعهما بإنفاقهما في الطاعات، قال الله تعالى: الحسن: والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم والآية ذم ووعيد لمن من الزكاة وصلة الرحم وقرى الضيف والإنفاق في النوائب . يمنع حقوق ماله الواجبة
وفي "صحيح " عن مسلم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: أبي هريرة "ما من صاحب [ ص: 514 ] ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فأحمي عليها في نار جهنم، فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره، كلما بردت أعيدت له، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين العباد، فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار" .
وفي "صحيح " عن البخاري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: أبي هريرة ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة ولله ميراث السماوات والأرض "من آتاه الله مالا فلم يؤد زكاته مثل له يوم القيامة شجاعا أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة ثم يأخذ بلهزمتيه، يعني شدقيه، ثم يقول: أنا مالك ، أنا كنزك " ثم تلا:
وفيه أيضا عن عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: أبي هريرة "يكون كنز أحدكم يوم القيامة شجاعا أقرع يفر منه يوم القيامة، ويطلبه، ويقول: أنا كنزك، فلا يزال يطلبه حتى يبسط يده فيلقمها فاه " .
وفي "صحيح " عن مسلم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: جابر والشجاع: الحية الذكر، والأقرع: الذي قد تمعط شعر فروة رأسه لكثرة سمه . "ما من صاحب كنز لا يفعل فيه حقه إلا جاء كنزه يوم القيامة شجاعا أقرع يتبعه فاتحا فاه، فإذا أتاه فر منه، فيناديه: خذ كنزك الذي خبأته فأنا عنه غني، فإذا رأى أن لا بد له منه سلك يده في فيه فيقضمها قضم الفحل " .
فلهذا ورد الشرع باكتناز ما يبقى نفعه بعد الموت من الإيمان والأعمال [ ص: 515 ] الصالحة والكلمات الطيبة، فإن نفع ذلك يبقى وبه يحصل الغنى الأكبر، قال : نعم كنز الصعلوك سورة آل عمران يقوم بها من آخر الليل . وآخر سورة البقرة من كنز تحت العرش أعطيته هذه الأمة مع سورة الفاتحة . ولا حول ولا قوة إلا بالله كنز من كنوز الجنة . ابن مسعود
وفي بعض الآثار الإسرائيلية: كنز المؤمن ربه، يعني أنه لا يكنز سوى طاعته وخشيته ومحبته والتقرب إليه، فمن كان كنزه ربه وجده وقت حاجته إليه، كما في وصية النبي - صلى الله عليه وسلم - : لابن عباس "احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده أمامك، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة" .
أنت كنزي، أنت ذخري، أنت عزي، كيف أخشى الفقر إذا كنت أمني عند فقري، من كان الله كنزه فقد ظفر بالغنى الأكبر . قال بعض العارفين:
من استغنى بالله أمن من العدم . ومن لزم الباب أثبت في الخدم ومن أكثر ذكر الموت أكثر من الندم .
تنقضي الدنيا والفتى فيها معنى ليس في الدنيا نعيم ولا عيش مهنا .
يا غنيا بالدنانير فحب الله أغنى