ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه ولا تتخذوا آيات الله هزوا واذكروا نعمة الله عليكم وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم به واتقوا الله واعلموا أن الله بكل شيء عليم وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف
البلوغ إلى الشيء : معناه الحقيقي الوصول إليه ، ولا يستعمل البلوغ بمعنى المقاربة إلا مجازا لعلاقة مع قرينة كما هنا ، فإنه لا يصح إرادة المعنى الحقيقي ؛ لأن المرأة إذا قد بلغت آخر جزء من العدة وجاوزته إلى الجزء الذي هو الأجل للانقضاء فقد خرجت من العدة ، ولم يبق للزوج عليها سبيل .
قال القرطبي في تفسيره : إن معنى : بلغن هنا قاربن ، بإجماع العلماء .
قال : ولأن المعنى يضطر إلى ذلك ، لأنه بعد بلوغ الأجل لا خيار له في الإمساك ، والإمساك بمعروف هو القيام بحقوق الزوجية : أي إذا طلقتم النساء فقاربن آخر العدة فلا تضاروهن بالمراجعة من غير قصد لاستمرار الزوجية واستدامتها ، بل اختاروا أحد أمرين : إما [ ص: 156 ] الإمساك بمعروف من غير قصد لضرار أو التسريح بإحسان : أي تركها حتى تنقضي عدتها من غير مراجعة ضرار ، ولا تمسكوهن ضرارا كما كانت تفعل الجاهلية من طلاق المرأة حتى يقرب انقضاء عدتها ، ثم مراجعتها لا عن حاجة ولا لمحبة ، ولكن لقصد تطويل العدة وتوسيعها مدة الانتظار ضرارا لقصد الاعتداء منكم عليهن والظلم لهن ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه لأنه عرضها لعقاب الله وسخطه .
قال : يعني عرض نفسه للعذاب ؛ لأن إتيان ما نهى الله عنه تعرض لعذاب الله الزجاج ولا تتخذوا آيات الله هزوا أي لا تتخذوا أحكام الله على طريقة الهزؤ ، فإنها جد كلها ، فمن هزل فيها فقد لزمته ، نهاهم سبحانه أن يفعلوا كما كانت الجاهلية تفعل ، فإنه كان يطلق الرجل منهم أو يعتق أو يتزوج ويقول كنت لاعبا .
قال القرطبي : ولا خلاف بين العلماء أن أن الطلاق يلزمه . من طلق هازلا
قوله : واذكروا نعمة الله عليكم أي النعمة التي صرتم فيها بالإسلام وشرائعه بعد أن كنتم في جاهلية جهلاء ، وظلمات بعضها فوق بعض ، والكتاب : هو القرآن .
والحكمة قال المفسرون : هي السنة التي سنها لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعظكم به أي يخوفكم بما أنزل عليكم ، وأفرد الكتاب والحكمة بالذكر مع دخولهما في النعمة دخولا أوليا ، تنبيها على خطرهما وعظم شأنهما .
وقد أخرج ابن جرير عن وابن أبي حاتم قال : كان الرجل يطلق امرأته ثم يراجعها قبل انقضاء عدتها ثم يطلقها ، فيفعل بها ذلك يضارها ويعطلها ، فأنزل الله ابن عباس وإذا طلقتم النساء الآية .
وأخرج نحوه مالك وابن جرير وابن المنذر عن . ثور بن يزيد
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير والبيهقي عن الحسن في قوله : ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا قال : هو الرجل يطلق امرأته فإذا أرادت أن تنقضي عدتها أشهد على رجعتها ، يريد أن يطول عليها .
وأخرج ابن ماجه وابن جرير والبيهقي عن أبي موسى قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : . ما بال أقوام يلعبون بحدود الله يقول : قد طلقتك ، قد راجعتك ، قد طلقتك ، قد راجعتك ، ليس هذا طلاق المسلمين ، طلقوا المرأة في قبل عدتها
وقد أخرج ابن المنذر عن وابن أبي حاتم قال : عبادة بن الصامت كان الرجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول للرجل : زوجتك ابنتي ، ثم يقول : كنت لاعبا ، ويقول : قد أعتقت ، ويقول : كنت لاعبا ، فأنزل الله سبحانه : ولا تتخذوا آيات الله هزوا فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ثلاث من قالهن لاعبا أو غير لاعب فهن جائزات عليه : الطلاق ، والنكاح ، والعتاق .
وأخرج ابن مردويه عن قال : أبي الدرداء ولا تتخذوا آيات الله هزوا فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : من طلق أو أعتق فقال : لعبت ، فليس قوله بشيء ، يقع عليه فيلزمه . كان الرجل يطلق ثم يقول : لعبت ويعتق ثم يقول : لعبت فأنزل الله :
وأخرج ابن مردويه أيضا عن قال : ابن عباس طلق رجل امرأته وهو يلعب لا يريد الطلاق ، فأنزل الله ولا تتخذوا آيات الله هزوا فألزمه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الطلاق .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير عن وابن أبي حاتم الحسن مرفوعا نحو حديث عبادة .
وأخرج أبو داود وحسنه والترمذي وابن ماجه والحاكم وصححه عن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : أبي هريرة . ثلاث جدهن جد وهزلهن جد : النكاح ، والطلاق ، والرجعة