المسألة الثالثة : هذه الآية تدل على ، وذلك لأن بطلان قول من يقول : إن الإمامة موروثة بني إسرائيل أنكروا أن يكون ملكهم من لا يكون من بيت المملكة ، فأعلمهم الله تعالى أن هذا ساقط ، والمستحق لذلك من خصه الله تعالى بذلك وهو نظير قوله : ( تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء ) [ آل عمران : 26 ] .
الوجه الثاني : في الجواب عن هذه الشبهة قوله تعالى : ( وزاده بسطة في العلم والجسم ) وتقرير هذا الجواب أنهم طعنوا في استحقاقه للملك بأمرين :
أحدهما : أنه ليس من أهل بيت الملك .
الثاني : أنه فقير ، والله تعالى بين أنه أهل للملك ، وقرر ذلك بأنه حصل له وصفان :
أحدهما : العلم .
والثاني : القدرة .
وهذان الوصفان أشد مناسبة لاستحقاقه الملك من الوصفين الأولين وبيانه من وجوه :
أحدها : أن العلم والقدرة من باب الكمالات الحقيقية ، والمال والجاه ليسا كذلك .
والثاني : أن العلم والقدرة من الكمالات الحاصلة لجوهر نفس الإنسان ، والمال والجاه أمران منفصلان عن ذات الإنسان .
الثالث : أن العلم والقدرة لا يمكن سلبهما عن الإنسان ، والمال والجاه يمكن سلبهما عن الإنسان .
والرابع : أن العلم بأمر الحروب ، والقوي [ ص: 148 ] الشديد على المحاربة يكون الانتفاع به في حفظ مصلحة البلد ، وفي دفع شر الأعداء أتم من الانتفاع بالرجل النسيب الغني إذا لم يكن له علم بضبط المصالح ، وقدرة على دفع الأعداء ، فثبت بما ذكرنا أن إسناد الملك إلى العالم القادر ، أولى من إسناده إلى النسيب الغني .