وقوله : فإنه ما سلم في دينه إلا من سلم لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم ، ورد علم ما اشتبه عليه إلى عالمه . أي : سلم لنصوص الكتاب والسنة ، ولم يعترض عليها بالشكوك والشبه والتأويلات الفاسدة ، أو بقوله : العقل يشهد بضد ما دل عليه النقل ! ! ! وهذا لا يكون قط . لكن إذا جاء ما يوهم مثل ذلك ، فإن كان النقل صحيحا فذلك الذي يدعى أنه معقول إنما هو مجهول ، ولو حقق النظر لظهر ذلك . وإن كان النقل غير صحيح فلا يصلح للمعارضة ، فلا يتصور أن يتعارض عقل صريح ونقل صحيح أبدا . ويعارض كلام من يقول ذلك بنظيره ، فيقال : إذا تعارض العقل والنقل وجب تقديم النقل ، لأن الجمع بين المدلولين جمع بين النقيضين ، ورفعهما [ ص: 228 ] رفع النقيضين ، وتقديم العقل ممتنع ، لأن العقل قد دل على صحة السمع ووجوب قبول ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم ، فلو أبطلنا النقل لكنا قد أبطلنا دلالة العقل ، ولو أبطلنا دلالة العقل لم يصلح أن يكون معارضا للنقل ، لأن ما ليس بدليل لا يصلح لمعارضة شيء من الأشياء ، فكان تقديم العقل موجبا عدم تقديمه ، فلا يجوز تقديمه . وهذا بين واضح ، فإن العقل هو الذي دل على صدق السمع وصحته ، وأن خبره مطابق لمخبره ، فإن جاز أن تكون الدلالة باطلة لبطلان النقل لزم أن لا يكون العقل دليلا صحيحا ، وإذا لم يكن دليلا صحيحا لم يجز أن يتبع بحال ، فضلا عن أن يقدم ، فصار تقديم العقل على النقل قدحا في العقل . والعقل أصل النقل ! ! فإذا عارضه قدمنا العقل