إن تستفتحوا خطاب للمشركين على سبيل التهكم، فقد روي أنهم حين أرادوا الخروج تعلقوا بأستار الكعبة وقالوا: اللهم انصر أعلى الجندين وأهدى الفئتين وأكرم الحزبين.
وفي رواية: أن أبا جهل قال حين التقى الجمعان: اللهم ربنا ديننا القديم ودين محمد الحديث فأي الدينين كان أحب إليك وأرضى عندك فانصر أهله اليوم. والأول مروي عن الكلبي والمعنى: إن تستنصروا لأعلى الجندين وأهداهما والسدي، فقد جاءكم الفتح حيث نصر أعلاهما وأهداهما وقد زعمتم أنكم الأعلى والأهدى فالتهكم في المجيء أو فقد جاءكم الهلاك والذلة فالتهكم في نفس الفتح حيث وضع موضع ما يقابله. وإن تنتهوا عن حراب الرسول عليه الصلاة والسلام ومعاداته فهو أي الانتهاء خير لكم من الحراب الذي ذقتم بسببه من القتل والأسر، ومبنى اعتبار أصل الخيرية في المفضل عليه هو التهكم وإن تعودوا أي: إلى حرابه عليه الصلاة والسلام نعد لما شاهدتموه من الفتح ولن تغني أي: لن تدفع [ ص: 188 ] عنكم فئتكم جماعتكم التي تجمعونها وتستغيثون بها شيئا من الإغناء أو المضار ولو كثرت تلك الفئة، وقرئ: (ولن يغني) بالياء التحتانية لأن تأنيث الفئة غير حقيقي وللفصل، ونصب شيئا على أنه مفعول مطلق أو مفعول به، وجملة: ولو كثرت في موضع الحال. وأن الله مع المؤمنين أي: ولأن الله تعالى معين المؤمنين كان ذلك أو والأمر أن الله سبحانه معهم، وقرأ الأكثر: (وإن) بالكسر على الاستئناف، قيل: وهي أوجه من قراءة الفتح لأن الجملة حينئذ تذييل، كأنه قيل: القصد إعلاء أمر المؤمنين وتوهين كيد الكافرين وكيت وكيت، وإن سنة الله تعالى جارية في نصر المؤمنين وخذلان الكافرين، وهذا وإن أمكن إجراؤه على قراءة الفتح لكن قراءة الكسر نص فيه، ويؤيدها قراءة (والله مع المؤمنين)، وروي عن ابن مسعود عطاء، وأبي بن كعب، وإليه ذهب أن الخطاب للمؤمنين، والمعنى: إن تستنصروا فقد جاءكم النصر، وإن تنتهوا عن التكاسل والرغبة عما يرغب فيه الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم فهو خير لكم من كل شيء لما أنه مدار لسعادة الدارين أبو علي الجبائي وإن تعودوا إليه نعد عليكم بالإنكار وتهييج العدو. ولن تغني عنكم حينئذ كثرتكم إذ لم يكن الله تعالى معكم بالنصر. والأمر أن الله سبحانه مع الكاملين في الإيمان، ويفهم كلام بعضهم أن الخطاب في تستفتحوا و جاءكم للمؤمنين، وفيما بعده للمشركين، ولا يخفى أنه خلاف الظاهر جدا، وأيد كون الخطاب في الجميع للمؤمنين بقوله تعالى: