الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في شروط خيار المعتقة وهل هو طلاق أو فسخ؟]

                                                                                                                                                                                        الكلام على المسألة من ستة أوجه:

                                                                                                                                                                                        أحدها: الوجه الذي يوجب لها الخيار.

                                                                                                                                                                                        والثاني: إذا ثبت لها الخيار فاختارت نفسها هل يكون طلاقا أو فسخا؟

                                                                                                                                                                                        والثالث: إذا كان طلاقا هل لها أن تختار الثلاث؟. [ ص: 2675 ]

                                                                                                                                                                                        والرابع: إذا كانت طلقة هل تكون بائنة أو رجعية إن أعتق الزوج في العدة؟

                                                                                                                                                                                        والخامس: الوقت الذي تختار فيه.

                                                                                                                                                                                        والسادس: ما يسقط خيارها بعد ثبوته.

                                                                                                                                                                                        فالذي يوجب الخيار عتق جميعها، وإن أعتق بعضها بتلا أو جميعها إلى أجل، أو دبرت، أو كوتبت، أو صارت أم ولد، لم يكن لها خيار، وإذا وجب الخيار بعتق جميعها لم يسقط إلا بعتق جميع الزوج، فإن أعتق بعضه بتلا أو جميعه إلى أجل، أو كوتب، أو دبر لم يسقط خيارها، وإذا وجب الخيار فاختارت نفسها كان طلاقا لا فسخا، وهذا هو الأصل في كل فراق كان من قبل المرأة هي فيه بالخيار كالتي تقوم بعيب يطرأ بعد العقد: جذام أو برص أو جنون أو عدم نفقة، وقيام الأمة بعد العتق نوع من القيام بالعيب، وهو طلاق بخلاف ملك أحد الزوجين الآخر أو ارتداد أحدهما، ومحمل اختيارها على طلقة، واختلف عن مالك إذا قضت باثنتين هل يلزمانه أو تكون طلقة ويسقط الزائد، وهو أصوب؛ لأن مقالها في رفع يده عنها، وذلك تناله بواحدة، وإيقاعها طلقتين مضرة على الزوج من غير منفعة له، واختلف بعد القول أنها طلقة هل تكون بائنة أو رجعية؟ قال في المدونة: هي بائنة، وقال في مختصر ما ليس في المختصر: له الرجعة إن أعتق في العدة. وقال ابن القاسم في كتاب [ ص: 2676 ] محمد: إن أعتقت وزوجها غائب أمرها وأمر النصرانية التي تسلم وزوجها غائب، سواء إن تزوجت فأدركها قبل أن يدخل بها كان أحق بها إذا أسلم أو أعتق قبل وفاء عدتها، وهذا هو القياس أن له الرجعة بزوال الرق، وهو في هذا كالتي تطلق عليه بسبب عيب فيزول في العدة عليه، وقال محمد: إذا طلق في العدة عليه بجنون أو جذام أو برص أو عدم نفقة، ثم ذهب العيب أو أيسر الزوج فله الرجعة، وإن أعتق بعد عتقها وقبل اختيارها فلا خيار لها. وقال ابن القاسم في العتبية: إذا وقفت عن الخيار حتى تطهر من الحيضة ثم أعتق زوجها فهي على خيارها، وفي هذا نظر، والصواب ألا خيار لها؛ لأنها زوجة بعد حين أعتق، وإن اختارت- وهي حائض بانت على قوله في المدونة، وأما على القول الآخر أنها واحدة رجعية ففيه إشكال; لأن الرجعة ليست بيدها ولا بيد الزوج; لأن ذلك حق عليه، فإن ارتجع السلطان وعادت زوجة كان في ذلك بطلان لحقها، ولم يفدها الخيار، وليس لها أن تطلق أخرى; لأن الطلقة التي كانت بيدها قد أوقعتها، وأرى إن أجبرها السلطان وعادت زوجة أن يكون لها أن توقع أخرى، وهذه ضرورة، وإن أعتقت وهي في عدة من طلاق رجعي كان لها أن تختار لترفع رجعته عنها، ولو قيل إنها تمنع من الطلاق إذا قال الزوج: أنا لا أرتجع لرأيته حسنا، وإن كانت صغيرة كان النظر في ذلك إلى السلطان فيما يراه حسن نظر لها، وكذلك إن كانت سفيهة، إلا أن [ ص: 2677 ] تبادر باختيارها نفسها، ولو رضيت بالمقام لم يلزمها ذلك على قول ابن القاسم إذا لم يكن فيه حسن نظر، ولزمه ذلك على قول أشهب، وإن أوقفها الزوج بحضرة العتق، وقال: إما أن تختاريني أو الطلاق، فقالت: إذا أنظر وأستشير، كان القول قولها، واستحسن أن يؤخر ثلاثة أيام، وقد اختلف في الأخذ بالشفعة هل يوقف على الأخذ أو الترك بالحضرة أو يؤخر ثلاثة أيام، وإن لم يوقفها الزوج وطال ذلك ثم طلبته بالنفقة على الماضي لم يكن لها; لأنها منعت نفسها، والنفقة في مقابل الاستمتاع، وقال في المدونة: إذا أوقفت عنه سنة ولم تقل: رضيت، وقالت: وقفت لأختار كان القول قولها، ولا يمين عليها; لأن النساء لا يحلفن في التمليك، وقوله في هذا أصوب; لأن لها دليلا على قولها وهو منعها نفسها طول تلك المدة.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية