وقال الذي اشتراه من مصر لامرأته أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا وكذلك مكنا ليوسف في الأرض ولنعلمه من تأويل الأحاديث والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون
[ ص: 198 ] قوله تعالى : " وقال الذي اشتراه من مصر " قال : لما ذهبت به السيارة إلى وهب مصر ، وقفوه في سوقها يعرضونه للبيع ، فتزايد الناس في ثمنه حتى بلغ ثمنه وزنه مسكا ، ووزنه ورقا ، ووزنه حريرا ، فاشتراه بذلك الثمن رجل يقال : له قطفير ، وكان أمين فرعون وخازنه ، وكان مؤمنا . وقال : إنما اشتراه ابن عباس قطفير من مالك بن ذعر بعشرين دينارا ، وزوجي نعل ، وثوبين أبيضين ، فلما رجع إلى منزله قال لامرأته : أكرمي مثواه . وقال قوم : اسمه أطفير
وفي اسم المرأة قولان : أحدهما : راعيل بنت رعاييل ، قاله . والثاني . ابن إسحاق أزليخا بنت تمليخا ، قاله . قال مقاتل : " أكرمي مثواه " يعني أكرمي منزله ومقامه عندك ، من قولك : ثويت بالمكان : إذا أقمت به . وقال ابن قتيبة : أحسني إليه في طول مقامه عندنا . قال الزجاج : أفرس الناس ثلاثة : ابن مسعود العزيز حين تفرس في يوسف ، فقال لامرأته : " أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا " ، وابنة شعيب حين قالت : يا أبت استأجره [القصص :26] ، حين استخلف وأبو بكر . عمر
وفي قوله : " عسى أن ينفعنا " قولان :
أحدهما : يكفينا إذا بلغ أمورنا . والثاني : بالربح في ثمنه .
قوله تعالى : " أو نتخذه ولدا " قال : نتبناه . وقال غيره : لم يكن لهما ولد ، وكان العزيز لا يأتي النساء . ابن عباس
قوله تعالى : " وكذلك مكنا ليوسف " أي : وكما أنجيناه من إخوته وأخرجناه من ظلمة الجب ، مكنا له في الأرض ، أي : ملكناه في أرض مصر فجعلناه على خزائنها . " ولنعلمه " قال : إنما دخلت الواو في " ولنعلمه " لفعل مضمر هو المجتلب للام ، والمعنى : مكنا ابن الأنباري ليوسف في الأرض ، واختصصناه [ ص: 199 ] بذلك لكي نعلمه من تأويل الأحاديث . وقد سبق تفسير " تأويل الأحاديث " [يوسف :6] .
" والله غالب على أمره " في هاء الكناية قولان :
أحدهما : أنها ترجع إلى الله ، فالمعنى : أنه غالب على ما أراد من قضائه ، وهذا معنى قول . ابن عباس
والثاني : أنها ترجع إلى يوسف ، فالمعنى : غالب على أمر يوسف حتى يبلغه ما أراده له ، وهذا معنى قول . وقال بعضهم : والله غالب على أمره حيث أمر مقاتل يعقوب يوسف أن لا يقص رؤياه على إخوته ، فعلموا بها ، ثم أراد يعقوب أن لا يكيدوه ، فكادوه ، ثم أراد إخوة يوسف قتله ، فلم يقدر لهم ، ثم أرادوا أن يلتقطه بعض السيارة فيندرس أمره ، فعلا أمره ، ثم باعوه ليكون مملوكا ، فغلب أمره حتى ملك ، وأرادوا أن يعطفوا أباهم ، فأباهم ، ثم أرادوا أن يغروا يعقوب بالبكاء والدم الذي ألقوه على القميص ، فلم يخف عليه ، ثم أرادوا أن يكونوا من بعده قوما صالحين ، فنسوا ذنبهم إلى أن أقروا به بعد سنين فقالوا : إنا كنا خاطئين [يوسف :97] ، ثم أرادوا أن يمحوا محبته من قلب أبيه ، فازدادت ، ثم أرادت أزليخا أن تلقي عليه التهمة بقولها : ما جزاء من أراد بأهلك سوءا [يوسف :25] ، فغلب أمره ، حتى شهد شاهد من أهلها ، وأراد يوسف أن يتخلص من السجن بذكر الساقي ، فنسي الساقي حتى لبث في السجن بضع سنين .