قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بقوله : "مذبذبين" ، مرددين .
وأصل "التذبذب" ، التحرك والاضطراب ، كما قال النابغة :
ألم تر أن الله أعطاك سورة ترى كل ملك دونها يتذبذب
وإنما عنى الله بذلك : أن المنافقين متحيرون في دينهم ، لا يرجعون إلى اعتقاد شيء على صحة ، فهم لا مع المؤمنين على بصيرة ، ولا مع المشركين على جهالة ، ولكنهم حيارى بين ذلك ، فمثلهم المثل الذي ضرب لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الذي : - [ ص: 333 ]
10728 - حدثنا به قال : حدثنا محمد بن المثنى عبد الوهاب قال : حدثنا عبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : مثل المنافق كمثل الشاة العائرة بين الغنمين ، تعير إلى هذه مرة ، وإلى هذه مرة ، لا تدري أيهما تتبع!
10729 - وحدثنا به مرة أخرى ، عن محمد بن المثنى عبد الوهاب ، فوقفه على ابن عمر ، ولم يرفعه قال : حدثنا عبد الوهاب مرتين كذلك .
10730 - حدثني عمران بن بكار قال : حدثنا أبو روح قال : حدثنا قال : حدثنا ابن عياش عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله .
[ ص: 334 ]
وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
10731 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن : " السدي مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء " ، يقول : ليسوا بمشركين فيظهروا الشرك ، وليسوا بمؤمنين .
10732 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : " مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء " ، يقول : ليسوا بمؤمنين مخلصين ، ولا مشركين مصرحين بالشرك . قال : وذكر لنا أن نبي الله عليه السلام كان يضرب مثلا للمؤمن والمنافق والكافر ، كمثل رهط ثلاثة دفعوا إلى نهر ، فوقع المؤمن فقطع ، ثم وقع المنافق حتى إذا كاد يصل إلى المؤمن ناداه الكافر : أن هلم إلي ، فإني أخشى عليك! وناداه المؤمن : أن هلم إلي ، فإن عندي وعندي! يحصي له ما عنده . فما زال المنافق يتردد بينهما حتى أتى عليه آذي فغرقه . وإن المنافق لم يزل في شك وشبهة ، حتى أتى عليه الموت وهو كذلك . قال : وذكر لنا . أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : مثل المنافق كمثل ثاغية بين غنمين ، رأت غنما على نشز [ ص: 335 ] فأتتها فلم تعرف ، ثم رأت غنما على نشز فأتتها وشامتها فلم تعرف
10733 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : " مذبذبين " ، قال : المنافقون .
10734 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء " ، يقول : لا إلى أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، ولا إلى هؤلاء اليهود .
10735 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا حجاج ، عن قوله : " ابن جريج ، مذبذبين بين ذلك " ، قال : لم يخلصوا الإيمان فيكونوا مع المؤمنين ، وليسوا مع أهل الشرك .
10736 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " مذبذبين بين ذلك " ، بين الإسلام والكفر "لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء " .
وأما ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا " ، فإنه يعني : من يخذله الله عن طريق الرشاد ، وذلك هو الإسلام الذي دعا الله إليه عباده . يقول : من يخذله الله عنه فلم يوفقه له "فلن تجد له" ، يا قوله : " محمد "سبيلا" ، يعني : طريقا يسلكه إلى الحق غيره . وأي سبيل يكون له إلى الحق غير الإسلام ؟ وقد أخبر الله جل ثناؤه : أنه من يبتغ غيره دينا فلن يقبل منه ، ومن أضله الله عنه فقد غوى فلا هادي له غيره .