[ ص: 361 ] القول في تأويل قوله ( ورفعنا فوقهم الطور بميثاقهم وقلنا لهم ادخلوا الباب سجدا وقلنا لهم لا تعدوا في السبت وأخذنا منهم ميثاقا غليظا ( 154 ) )
قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بقوله : " ورفعنا فوقهم الطور " ، يعني : الجبل ، وذلك لما امتنعوا من العمل بما في التوراة وقبول ما جاءهم به موسى فيها "بميثاقهم" ، يعني : بما أعطوا الله الميثاق والعهد : لنعملن بما في التوراة " وقلنا لهم ادخلوا الباب سجدا " ، يعني"باب حطة" ، حين أمروا أن يدخلوا منه سجودا ، فدخلوا يزحفون على أستاههم "وقلنا لهم لا تعدوا في السبت" ، يعني بقوله : "لا تعدوا في السبت" ، لا تتجاوزوا في يوم السبت ما أبيح لكم إلى ما لم يبح لكم ، كما :
10773 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " وقلنا لهم ادخلوا الباب سجدا " ، قال : كنا نحدث أنه باب من أبواب بيت المقدس .
"وقلنا لهم لا تعدوا في السبت" ، أمر القوم أن لا يأكلوا الحيتان يوم السبت ولا يعرضوا لها ، وأحل لهم ما وراء ذلك .
[ ص: 362 ]
واختلفت القرأة في قراءة ذلك .
فقرأته عامة قرأة أمصار الإسلام : ( لا تعدوا في السبت ) ، بتخفيف"العين" من قول القائل : "عدوت في الأمر" ، إذا تجاوزت الحق فيه ، "أعدو عدوا وعدوا وعدوانا وعداء" .
وقرأ ذلك بعض قرأة أهل المدينة : ( وقلنا لهم لا تعدوا ) بتسكين"العين" وتشديد"الدال" ، والجمع بين ساكنين ، بمعنى : تعتدوا ، ثم تدغم "التاء" في"الدال" فتصير"دالا" مشددة مضمومة ، كما قرأ من قرأ ( أم من لا يهدي ) [ سورة يونس : 35 ] ، بتسكين "الهاء" .
وقوله : " وأخذنا منهم ميثاقا غليظا " ، يعني : عهدا مؤكدا شديدا ، بأنهم يعملون بما أمرهم الله به ، وينتهون عما نهاهم الله عنه ، مما ذكر في هذه الآية ، ومما في التوراة .
وقد بينا فيما مضى السبب الذي من أجله كانوا أمروا بدخول الباب سجدا ، وما كان من أمرهم في ذلك وخبرهم وقصتهم وقصة السبت ، وما كان اعتداؤهم فيه ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .