وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ
سعدوا بالبناء للمفعول، لأن الفاعل معلوم، وهو الله تعالى، فالمعنى سعدهم الله، فسعدوا، وقد سعدوا، لأنهم اهتدوا إلى الإيمان والعمل الصالح في الدنيا، وسعدوا لأنهم دخلوا الجنة على وجه الدوام في الآخرة، وسعدوا لأن نالوا رضوان الله، في الدنيا والآخرة، ولأنهم يوم القيامة، يتجلى عليهم ربهم فتنضر وجوههم وتنظر أعينهم، كما قال تعالى: وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة
وذكر سبحانه نيلهم الجنة، فيقول: ففي الجنة خالدين مقيمون على وجه الخلود، ما دامت السماوات والأرض وقد ذكرنا أن هذا ليس تقييدا لإرادة الله [ ص: 3756 ] ببقاء السماوات والأرض، وإنما إرادته مطلقة وإنما كان هذا التعبير تأكيدا لمعنى الخلود، على مجرى عبارات العرب في تأكيدهم للبقاء بأمر ظاهر البقاء عادة.
وقوله: إلا ما شاء ربك ذكرنا ما قيل فيه، وقلنا إن المختار عندنا إنه بيان لمشيئة الله التي لا يقيدها شيء فلا حتم عليه، وإذا كان قوله في أهل النار: إن ربك فعال لما يريد يؤيد معنى المشيئة، فقوله تعالى: عطاء غير مجذوذ يؤيد المشيئة المطلقة هنا; لأن العطاء لا إلزام فيه، وقوله تعالى: غير مجذوذ ومعناه مخير مقطوع بل هو دائم، والله أعلم.
وإذا كانت هذه الأقوام الماضية قد نزل بها ما نزل، وإن المشركين لا يترقبون مثلها، فتأس بالأنبياء من قبلك، واصبر كما صبروا، ولذا قال تعالى: