الفصل الرابع : قال القاضي أبو الفضل
هذا حكم المسلم فأما أو وصفه بغير الوجه الذي كفر به فلا خلاف عندنا في قتله إن لم يسلم ، لأنا لم نعطه الذمة أو العهد على هذا وهو قول عامة الفقهاء ، إلا الذمي إذا صرح بسبه أو عرض أو استخف بقدره ، أبا حنيفة ، وأتباعهما من والثوري أهل الكوفة ، فإنهم قالوا : لا يقتل ما هو عليه من الشرك أعظم ، ولكن يؤدب ويعذر .
واستدل بعض شيوخنا على قتله بقوله - تعالى - : وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم [ التوبة : 12 ] الآية . .
ويستدل عليه أيضا بقتل النبي - صلى الله عليه وسلم - لابن الأشرف ، وأشباهه ، ولأنا لم نعاهدهم ، ولم نعطهم الذمة على هذا ولا يجوز لنا أن نفعل ذلك معهم ، فإذا أتوا ما لم يعطوا عليه العهد ، ولا الذمة فقد نقضوا ذمتهم ، وصاروا كفارا يقتلون لكفرهم .
وأيضا فإن ، من القطع في سرقة أموالهم ، والقتل لمن قتلوه منهم ، وإن كان ذلك حلالا عندهم فكذلك سبهم للنبي - صلى الله عليه وسلم - يقتلون به . ذمتهم لا تسقط حدود الإسلام عنهم
ووردت لأصحابنا ظواهر تقتضي الخلاف إذا ، ستقف عليها من كلام ذكره الذمي بالوجه الذي كفر به ابن القاسم ، بعد . وابن سحنون
وحكى أبو المصعب الخلاف فيها عن أصحابه المدنيين . واختلفوا إذا ، فقيل : يسقط إسلامه قتله ، لأن الإسلام يجب ما قبله ، بخلاف المسلم إذا سبه ثم تاب ، لأنا نعلم باطنة الكافر في بغضه له ، وتنقصه بقلبه ، [ ص: 573 ] لكنا منعناه من إظهاره ، فلم يزدنا ما أظهره إلا مخالفة للأمر ونقضا للعهد ، فإذا رجع عن دينه الأول إلى الإسلام سقط ما قبله ، قال الله - تعالى - : سبه ثم أسلم قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف [ الأنفال : 38 ] .
والمسلم بخلافه ، إذ كان ظننا بباطنه حكم ظاهره وخلاف ما بدا منه الآن فلم نقبل بعد رجوعه ، ولا استنمنا إلى باطنه ، إذ قد بدت سرائره ، وما ثبت عليه من الأحكام باقية عليه لا يسقطها شيء .
وقيل : لا يسقط قتله ، لأنه حق للنبي - صلى الله عليه وسلم - ، وجب عليه ، لانتهاكه حرمته ، وقصده إلحاق النقيصة والمعرة به ، فلم يكن رجوعه إلى الإسلام بالذي يسقطه ، كما وجب عليه من حقوق المسلمين من قبل إسلامه من قتل وقذف ، وإذا كنا لا نقبل توبة المسلم فإنا لا نقبل توبة الكافر أولى . إسلام الذمي الساب
وقال مالك في كتاب ابن حبيب ، والمبسوط ، وابن القاسم ، ، وابن الماجشون وابن عبد الحكم ، وأصبغ فيمن - قتل إلا أن يسلم ، وقاله شتم نبينا من أهل الذمة أو أحدا من الأنبياء - عليهم السلام ابن القاسم في العتبية ، وعند محمد ، . وابن سحنون
وقال ، سحنون وأصبغ : لا يقال له أسلم ، ولا لا تسلم ، ولكن إن أسلم فذلك له توبة .
وفي كتاب محمد : أخبرنا أصحاب مالك أنه قال : من سب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو غيره من الأنبياء من مسلم أو كافر قتل ، ولم يستتب .
وروي لنا عن مالك : إلا أن يسلم الكافر .
وقد روى ابن وهب ، عن أن راهبا تناول النبي - صلى الله عليه وسلم - ! فقال ابن عمر : فهلا قتلتموه ! . ابن عمر
وروى عيسى عن ابن القاسم في محمدا لم يرسل إلينا ، إنما أرسل إليكم ، وإنما نبينا موسى أو عيسى ، ونحو هذا : لا شيء عليهم ، لأن الله - تعالى - أقرهم على مثله . ذمي قال : إن
وأما إن سبه فقال : ليس بنبي ، أو لم يرسل ، أو لم ينزل عليه القرآن وإنما شيء تقوله أو نحو هذا فيقتل .
وقال ابن القاسم : وإذا ، ونحو هذا من القبيح أو سمع المؤذن يقول : أشهد أن قال النصراني : ديننا خير من دينكم ، وإنما دينكم دين الحمير محمدا رسول الله ، فقال : كذلك يعطيكم الله ، ففي هذا الأدب الموجع والسجن الطويل .
قال : وأما إن شتم النبي - صلى الله عليه وسلم - شتما يعرف فإنه يقتل إلا أن يسلم ، قاله مالك غير مرة ، ولم يقل يستتاب .
قال ابن القاسم : ومحمل قوله عندي إن أسلم طائعا .
وقال في سؤالات ابن سحنون سليمان بن سالم في يعاقب العقوبة الموجعة مع السجن الطويل . اليهودي يقول للمؤذن ، إذا تشهد : كذبت
وفي النوادر من رواية عنه : سحنون بغير الوجه الذي به كفروا ضربت عنقه إلا أن يسلم . من شتم الأنبياء من اليهود والنصارى
قال : فإن قيل : لم قتلته في سب النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ومن دينه سبه [ ص: 574 ] وتكذيبه ؟ قيل : لأنا لم نعطهم العهد على ذلك ، ولا على قتلنا ، وأخذ أموالنا ، فإذا قتل واحدا منا قتلناه ، وإن كان من دينه استحلاله ، فكذلك إظهاره لسب نبينا - صلى الله عليه وسلم - . محمد بن سحنون
قال : كما لو بذل لنا أهل الحرب الجزية على إقرارهم على سبه لم يجز لنا ذلك في قول قائل . سحنون
كذلك ينتقض عهد من سب منهم ، ويحل لنا دمه فكما لم يحصن الإسلام من سبه من القتل كذلك لا تحصنه الذمة .
قال القاضي أبو الفضل : ما ذكره عن نفسه ، وعن أبيه مخالف لقول ابن سحنون ابن القاسم فيما خفف عقوبتهم فيه مما به كفروا ، فتأمله .
ويدل على أنه خلاف ما روي عن المدنيين في ذلك ، فحكى ، قال : أتيت بنصراني قال : والذي اصطفى أبو المصعب الزهري عيسى على محمد ، فاختلف علي فيه ، فضربته حتى قتلته ، أو عاش يوما وليلة ، وأمرت من جر برجله ، وطرح على مزبلة ، فأكلته الكلاب .
وسئل أبو المصعب عن عيسى خلق محمدا . فقال : يقتل . نصراني قال :
وقال ابن القاسم : سألنا مالكا عن بمصر شهد عليه أنه قال : مسكين محمد ، يخبركم أنه في الجنة ، ما له لم ينفع نفسه ! إذ كانت الكلاب تأكل ساقيه ، لو قتلوه استراح منه الناس . نصراني
قال مالك : أرى أن تضرب عنقه .
قال : ولقد كدت ألا أتكلم فيها بشيء ، ثم رأيت أنه لا يسعني الصمت .
قال في المبسوطة : من شتم النبي - صلى الله عليه وسلم - من اليهود والنصارى فأرى للإمام أن يحرقه بالنار ، وإن شاء قتله ثم حرق جثته ، وإن شاء أحرقه بالنار حيا إذا تهافتوا في سبه . ابن كنانة
ولقد كتب إلى مالك من مصر وذكر مسألة ابن القاسم المتقدمة ، قال : فأمرني مالك ، فكتبت بأن يقتل ، وأن يضرب عنقه ، فكتبت ، ثم قلت : يا أبا عبد الله ، وأكتب : ثم يحرق بالنار ؟ فقال : إنه لحقيق بذلك ، وما أولاه به . فكتبته بيدي بين يديه ، فما أنكره ، ولا عابه ، ونفذت الصحيفة بذلك فقتل ، وحرق .
وأفتى عبيد الله بن يحيى ، وابن لبابة في جماعة سلف أصحابنا الأندلسيين بقتل عيسى لله وبتكذيب محمد في النبوة ، وبقبول إسلامها ودرء القتل عنها به . نصرانية استهلت بنفي الربوبية ونبوة
وبه قال غير واحد من المتأخرين منهم القابسي ، وابن الكاتب .
وقال في كتابه : من سب الله ورسوله من مسلم أو كافر قتل ولا يستتاب . أبو القاسم بن الجلاب
وحكى القاضي أبو محمد في روايتين في درء القتل عنه بإسلامه . الذمي يسب ثم يسلم
وقال : وحد القذف وشبهه من حقوق العباد لا يسقطه عن الذمي إسلامه ، وإنما يسقط عنه بإسلامه حدود الله . ابن سحنون
فأما حد القذف فحق [ ص: 575 ] للعباد ، كان ذلك لنبي أو غيره ، فأوجب على الذمي إذا قذف النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم أسلم حد القذف .
ولكن انظر ماذا يجب عليه ؟ هل حد القذف في حق النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وهو القتل لزيادة حرمة النبي - صلى الله عليه وسلم - على غيره ، أم هل يسقط القتل بإسلامه ، ويحد ثمانين ؟ فتأمله .