قوله تعالى : ( ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ) الآية [ 60 ] .
[ ص: 84 ] 328 - أخبرنا سعيد بن محمد العدل قال : أخبرنا قال : أخبرنا أبو عمرو بن حمدان قال : حدثنا الحسن بن سفيان قال : حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري أبو اليمان قال : حدثنا ، عن صفوان بن عمرو عكرمة ، عن قال : كان ابن عباس كاهنا يقضي بين أبو بردة الأسلمي اليهود فيما يتنافرون فيه ، فتنافر إليه أناس من أسلم ، فأنزل الله تعالى : ( ألم تر إلى الذين يزعمون ) إلى قوله : ) وتوفيقا ( .
329 - أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم قال : حدثنا أبو صالح شعيب بن محمد قال : حدثنا أبو حاتم التميمي قال : حدثنا أبو الأزهر قال : حدثنا رويم قال : حدثنا سعيد عن قتادة قال : ذكر لنا أن هذه الآية أنزلت في رجل من الأنصار يقال له : قيس ، وفي رجل من اليهود - في مدارأة كانت بينهما في حق تدارآ فيه ، فتنافرا إلى كاهن بالمدينة ليحكم بينهما ، وتركا نبي الله - صلى الله عليه وسلم - فعاب الله تعالى ذلك عليهما ، وكان اليهودي يدعوه إلى نبي الله ، وقد علم أنه لن يجور عليه ، وجعل الأنصاري يأبى عليه ، وهو يزعم أنه مسلم ، ويدعوه إلى الكاهن . فأنزل الله تعالى ما تسمعون ، وعاب على الذي يزعم أنه مسلم ، وعلى اليهودي الذي هو من أهل الكتاب - فقال : ( ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك ) إلى قوله : ( يصدون عنك صدودا ) .
330 - أخبرني محمد بن عبد العزيز المروزي في كتابه ، قال : أخبرنا محمد بن الحسين قال : أخبرنا قال : أخبرنا محمد بن يحيى قال : أخبرنا إسحاق الحنظلي المؤمل قال : حدثنا ، عن يزيد بن زريع داود ، عن قال : كان بين رجل من المنافقين ورجل من الشعبي اليهود خصومة ، فدعا اليهودي المنافق إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - لأنه علم أنه لا يقبل الرشوة ، ودعا المنافق اليهودي إلى حكامهم ، لأنه علم أنهم يأخذون الرشوة في أحكامهم . فلما اختلفا اجتمعا على أن يحكما كاهنا في جهينة ، فأنزل الله تعالى في ذلك : ( ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك ) يعني المنافق ( وما أنزل من قبلك ) يعني اليهودي : ( يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت ) إلى قوله : ( ويسلموا تسليما ) .
331 - وقال الكلبي عن أبي صالح ، عن : نزلت في ابن عباس رجل من المنافقين كان بينه وبين يهودي خصومة ، فقال اليهودي : انطلق بنا إلى محمد ، وقال المنافق : بل نأتي كعب بن الأشرف - وهو الذي سماه الله تعالى الطاغوت - فأبى اليهودي إلا أن يخاصمه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . فلما رأى المنافق ذلك أتى معه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاختصما إليه ، فقضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لليهودي . فلما خرجا من عنده لزمه المنافق وقال : ننطلق إلى فأقبلا إلى عمر بن الخطاب عمر ، فقال اليهودي : اختصمنا أنا وهذا إلى محمد فقضى لي عليه ، فلم يرض بقضائه ، وزعم أنه مخاصم إليك ، وتعلق بي فجئت معه ، فقال عمر للمنافق : أكذلك ؟ قال : نعم ، فقال لهما : رويدا حتى أخرج إليكما . فدخل عمر [ البيت ] وأخذ السيف فاشتمل عليه ، ثم خرج إليهما وضرب به المنافق حتى برد وقال : هكذا أقضي [ ص: 85 ] لمن لم يرض بقضاء الله وقضاء رسوله . وهرب اليهودي ، ونزلت هذه الآية . وقال جبريل - عليه السلام - : " إن عمر فرق بين الحق والباطل ، فسمي الفاروق .
332 - وقال : السدي كان ناس من اليهود أسلموا ونافق بعضهم ، وكانت قريظة والنضير في الجاهلية إذا قتل رجل من بني قريظة رجلا من بني النضير قتل به وأخذ ديته مائة وسق من تمر ، وإذا قتل رجل من بني النضير رجلا من قريظة لم يقتل به ، وأعطي ديته ستين وسقا من تمر ، وكانت النضير حلفاء الأوس . وكانوا أكبر وأشرف من قريظة ، وهم حلفاء الخزرج ، فقتل رجل من النضير رجلا من قريظة ، واختصموا في ذلك ، فقالت بنو النضير : إنا وأنتم [ كنا ] اصطلحنا في الجاهلية على أن نقتل منكم ولا تقتلوا منا ، وعلى أن ديتكم ستون وسقا - والوسق : ستون صاعا - وديتنا مائة وسق ، فنحن نعطيكم ذلك . فقالت : الخزرج : هذا شيء كنتم فعلتموه في الجاهلية ، لأنكم كثرتم وقللنا فقهرتمونا ، ونحن وأنتم اليوم إخوة وديننا ودينكم واحد ، وليس لكم علينا فضل . فقال المنافقون : انطلقوا إلى أبي بردة الكاهن الأسلمي ، وقال المسلمون : لا بل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - . فأبى المنافقون وانطلقوا إلى أبي بردة ليحكم بينهم ، فقال : أعظموا اللقمة - يعني الرشوة - فقالوا : لك عشرة أوسق ، قال : لا بل مائة وسق ديتي ، فإني أخاف إن نفرت النضيري قتلتني قريظة ، وإن نفرت القريظي قتلتني النضير ، فأبوا أن يعطوه فوق عشر أوسق ، وأبى أن يحكم بينهم . فأنزل الله تعالى هذه الآية ، فدعا النبي - صلى الله عليه وسلم - كاهن أسلم إلى الإسلام ، فأبى فانصرف ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لابنيه : أدركا أباكما فإنه إن جاوز عقبة كذا لم يسلم أبدا ، فأدركاه فلم يزالا به حتى انصرف وأسلم ، وأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - مناديا فنادى : ألا إن كاهن أسلم قد أسلم .