الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            فلما أتم الله خلق آدم أمر الملائكة بالسجود له فسجدوا إلا إبليس .

            استكبر وكان من الكافرين . فقال الله له : يا إبليس ما منعك أن تسجد إذ أمرتك ؟ قال : أنا خير منه لم أكن لأسجد لبشر خلقته من طين ، فلم يسجد كبرا ، وبغيا ، وحسدا . فقال الله له : يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي إلى قوله : لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين . قياس إبليس لعنه الله قال الحسن البصري : قاس إبليس ، وهو أول من قاس . وقال محمد بن سيرين : أول من قاس إبليس ، وما عبدت الشمس ولا القمر إلا بالمقاييس . رواهما ابن جريج . ومعنى هذا أنه نظر نفسه بطريق المقايسة بينه وبين آدم فرأى نفسه أشرف من آدم فامتنع من السجود له ، مع وجود الأمر له ولسائر الملائكة بالسجود ، والقياس إذا كان مقابلا بالنص كان فاسد الاعتبار ، ثم هو فاسد في نفسه فإن الطين أنفع وخير من النار فإن الطين فيه ; الرزانة ، والحلم ، والأناة ، والنمو ، والنار فيها ; الطيش ، والخفة ، والسرعة ، والإحراق . ثم آدم شرفه الله بخلقه له بيده ، ونفخه فيه من روحه ، ولهذا أمر الملائكة بالسجود له. فلما فرغ من إبليس ومعاتبته ، وأبى إلا المعصية ، وأوقع اللعنة ، وأيأسه من رحمته وجعله شيطانا رجيما ، وأخرجه من الجنة .

            وقال الشعبي : أنزل إبليس مشتمل الصماء عليه عمامة أعور في إحدى رجليه نعل .

            وقال حميد بن هلال : نزل إبليس مختصرا فلذلك كره الاختصار في الصلاة ، ولما أنزل قال : يا رب ، أخرجتني من الجنة لأجل آدم ، وإني لا أقوى عليه إلا بسلطانك . قال : فأنت مسلط . قال : زدني . قال : لا يولد له ولد إلا ولد لك مثله . قال : زدني . قال : صدورهم مساكن لك ، وتجري منهم مجرى الدم . قال : زدني . قال : أجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم .

            قال آدم : يا رب ، قد أنظرته ، وسلطته علي ، وإنني لا أمتنع منه إلا بك . قال : لا يولد لك ولد إلا وكلت به من يحفظه من قرناء السوء . قال : يا رب ، زدني . قال : الحسنة بعشر أمثالها ، وأزيدها ، والسيئة بواحدة ، وأمحوها . قال : يا رب ، زدني . قال : ياعبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا قال : يا رب ، زدني . قال : التوبة لا أمنعها من ولدك ما كانت فيهم الروح . قال : يا رب ، زدني . قال : أغفر ولا أبالي . قال : حسبي .

            ثم قال الله لآدم : إيت أولئك النفر من الملائكة فقل السلام عليكم . فأتاهم فسلم عليهم ، فقالوا له : وعليك السلام ورحمة الله . ثم رجع إلى ربه فقال : هذه تحيتك وتحية ذريتك بينهم . فلما امتنع إبليس من السجود وظهر للملائكة ما كان مستترا عنهم علم الله آدم الأسماء كلها . وقال عمر بن عبد العزيز : لما أمر الله -عز وجل- الملائكة بالسجود لآدم عليه السلام أول من سجد له إسرافيل ، فأثابه الله بأن كتب القرآن في جبهته .

            وعن ابن عباس ، و ابن مسعود أنهما قالا : لما فرغ الله تعالى من خلق ما أحب استوى على العرش ، فجعل إبليس على ملك سماء الدنيا ، وكان من قبيل من الملائكة يقال لهم الجن ، وإنما سموا الجن لأنهم من خزنة الجنة . وكان إبليس مع ملكه خازنا فوقع في نفسه كبر ، وقال : ما أعطاني الله تعالى هذا الأمر إلا لمزية لي على الملائكة . فاطلع الله على ذلك منه فقال : إني جاعل في الأرض خليفة .

            قال ابن عباس : وكان اسمه عزازيل ، وكان من أشد الملائكة اجتهادا وأكثرهم علما ، فدعاه ذلك إلى الكبر . وهذا قول ثالث في سبب كبره .

            وروى عكرمة ، عن ابن عباس أن الله تعالى خلق خلقا ، فقال : اسجدوا لآدم ، فقالوا : لا نفعل . فبعث عليهم نارا فأحرقتهم ، ثم خلق خلقا آخر ، فقال : إني خالق بشرا من طين ، فاسجدوا لآدم . فأبوا ، فبعث الله تعالى عليهم نارا فأحرقتهم ، ثم خلق هؤلاء الملائكة ، فقال : اسجدوا لآدم . قالوا : نعم . وكان إبليس من أولئك الذين لم يسجدوا .

            وقال شهر بن حوشب : إن إبليس كان من الجن الذين سكنوا الأرض ، وطردتهم الملائكة ، وأسره بعض الملائكة فذهب به إلى السماء .

            وأولى الأقوال بالصواب أن يقال كما قال الله تعالى : وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه وجائز أن يكون فسوقه من إعجابه بنفسه لكثرة عبادته ، واجتهاده ، وجائز أن يكون لكونه من الجن .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية