[ ص: 43 ] باب بيان وغير ذلك إفراد الحج عن العمرة
قال الشافعي رضي الله عنه في مختصر الحج : " وأحب إلي أن يفرد لأن الثابت عندنا أن النبي صلى الله عليه وسلم أفرد وقال في كتاب اختلاف الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " " قال لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي ولجعلتها عمرة الشافعي " ومن قال إنه أفرد الحج يشبه أن يقول قاله على ما يعرف من أهل العلم الذي أدرك وفد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أحدا لا يكون مقيما على حج إلا وقد ابتدأ إحرامه بحج وأحسب عروة حين حدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحرم بحج ذهب إلى أنه سمع عائشة تقول يفعل في حجه على هذا المعنى وقال فيما اختلفت فيه الأحاديث عن رسول الله في مخرجه ليس شيء من الاختلاف أيسر من هذا وإن كان الغلط فيه قبيحا من جهة أنه مباح لأن الكتاب ثم السنة ثم ما لا أعلم فيه خلافا يدل على أن التمتع بالعمرة إلى الحج وإفراد الحج والقران واسع كله وثبت أنه خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظر القضاء فنزل عليه القضاء وهو فيما بين الصفا والمروة وأمر أصحابه أن من كان منهم أهل ولم يكن معه هدي أن يجعلها عمرة وقال : ( فإن قال قائل ) فمن أين أثبت حديث لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي ولجعلتها عمرة عائشة وجابر وابن عمر وطاوس دون حديث من قال قرن ؟ ( قيل ) لتقدم صحبة جابر النبي صلى الله عليه وسلم وحسن سياقه لابتداء الحديث وآخره ولرواية عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم وفضل حفظها عنه وقرب ابن عمر منه ولأن من وصف انتظار النبي صلى الله عليه وسلم القضاء إذ لم يحج من المدينة بعد نزول فرض الحج طلب الاختيار فيما وسع الله من الحج والعمرة يشبه أن يكون أحفظ لأنه قد أتى في المتلاعنين فانتظر القضاء كذلك حفظ عنه في الحج ينتظر القضاء ( قال المزني ) إن ثبت حديث أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرن حتى يكون معارضا للأحاديث سواه فأصل قول الشافعي أن العمرة فرض وأداء الفرضين في وقت الحج أفضل من أداء فرض واحد لأن من كثر عمله لله كان أكثر في ثواب الله " .
قال الماوردي : وهذا كما قال .
[ ص: 44 ] لا اختلاف بين الفقهاء في جواز ، وإنما اختلفوا في الأفضل من ذلك والأولى ، الإفراد والتمتع والقران فللشافعي في ذلك قولان :
أحدهما : أن الإفراد أفضل وبه قال مالك .
والقول الثاني : أن التمتع أفضل وبه قال أحمد وإسحاق وأصحاب الآثار ، وهما أفضل من القران وقال أبو حنيفة والمزني : القران أفضل منها تعلقا برواية عمر بن الخطاب وأنس وعمران بن حصين أن ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قرن بين الحج أنس : وسمعته يقول : ، وبما روي أن لبيك بحجة وعمرة علي بن أبي طالب عليه السلام وأبا موسى الأشعري أحرما باليمن ، وقال إهلالا كإهلال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : سقت الهدي وقرنت وروى عمر بن الخطاب بالعقيرة : أتاني آت من ربي هذه الليلة فقال : صل في هذا الوادي ركعتين وقل عمرة في حجة قالوا : فإذا ثبت عنه أنه قرن وهو لا يختار لنفسه إلا أفضل الأعمال دل على أن القران أفضل من التمتع والإفراد قالوا : وقد روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال وهو عمر بن الخطاب أنه قال للصبي بن معبد وقد قرن : هديت لسنة نبيك قالوا : ولأن في القران تعجيل العملين ، والإتيان بهما في أشرف الزمانين فكان أولى من إفرادهما في زمانين أحدهما أشرف من الآخر قالوا : ولأن في القران زيادة ، وهو دوم نسك لا جبران ونقص لأمرين :
أحدهما : جواز أكله منه لقوله تعالى : فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها [ الحج : 36 ] ولو كان دم جبران لمنع من أكله لجزاء الصيد .
والثاني : أن ما دخله الدم على وجه الجبران فهو ممنوع من الدخول فيه إلا بعذر كالحلق واللباس ، فلما جاز له القران من غير عذر علق على أن الدم المتعلق به دم نسك .