الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            [ إجماع المحتبسين إلى أبي بصير وإيذاؤهم قريشا وإيواء الرسول لهم ]

            ثم خرج أبو بصير حتى نزل العيص ، من ناحية ذي المروة ، على ساحل البحر ، بطريق قريش التي كانوا يأخذون عليها إلى الشام ، وبلغ المسلمين الذين كانوا احتبسوا بمكة قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بصير : ويل أمه محش حرب لو كان معه رجال فاجتمع إليه أبو جندل بن سهيل بن عمرو الذي رده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المشركين بالحديبية ، فخرج هو وسبعون راكبا ممن أسلموا فلحقوا بأبي بصير ، وكرهوا أن يقدموا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هدنة المشركين ، وكرهوا الثواء بين ظهراني قومهم ، فنزلوا مع أبي بصير ، ولما قدم أبو جندل على أبي بصير سلم له الأمر ، لكونه قرشيا فكان أبو جندل يؤمهم ، واجتمع إلى أبي جندل - حين سمع بقدومه - ناس من بني غفار وأسلم وجهينة ، وطوائف من الناس حتى بلغوا ثلاثمائة مقاتل - كما عند البيهقي عن ابن شهاب - لا تمر بهم عير لقريش إلا أخذوها وقتلوا من فيها ، وضيقوا على قريش ، فلا يظفرون بأحد منهم إلا قتلوه .

            ومما قاله أبو جندل بن سهيل في تلك الأيام :


            أبلغ قريشا عن أبي جندل أنا بذي المروة في الساحل     في معشر تخفق راياتهم
            بالبيض فيها والقنا الذابل     يأبون أن تبقى لهم رفقة
            من بعد إسلامهم الواصل     أو يجعل الله لهم مخرجا
            والحق لا يغلب بالباطل     فيسلم المرء بإسلامه
            ويقتل المرء ولم يأتل

            فأرسلت قريش إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبا سفيان بن حرب يسألونه ويتضرعون إليه أن يبعث إلى أبي بصير وأبي جندل ومن معهم ، وقالوا من خرج منا إليك فأمسكه فهو لك حلال غير حرج أنت فيه . وقال : فإن هؤلاء الركب قد فتحوا علينا بابا لا يصلح إقراره ، فكتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أبي بصير وأبي جندل يأمرهما أن يقدما عليه ، ويأمر من معهما ممن اتبعهما من المسلمين أن يرجعوا إلى بلادهم وأهليهم فلا يتعرضوا لأحد مر بهم من قريش وعيراتها ، فقدم كتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أبي بصير وهو يموت . فجعل يقرؤه ، ومات وهو في يديه ، فدفنه أبو جندل مكانه ، وجعل عند قبره مسجدا .

            وقدم أبو جندل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه ناس من أصحابه ورجع سائرهم إلى أهليهم ، وأمنت بعد ذلك عيرات قريش .

            قال عروة : فلما كان ذلك من أمرهم علم الذين كانوا أشاروا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يمنع أبا جندل من أبيه بعد القضية أن طاعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خير لهم فيما أحبوا وفيما كرهوا من رأى من ظن أن له قوة هي أفضل مما خص الله تعالى به رسوله من الفوز والكرامة - صلى الله عليه وسلم -

            التالي السابق


            الخدمات العلمية