آخر صلاة صلاها بالناس- صلى الله عليه وسلم-
روى البخاري والبلاذري عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما- عن أمه أم الفضل قالت : خرج علينا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو عاصب رأسه في مرضه في بيته في ثوب واحد ، قد توشح به ، فصلى بنا المغرب ، فقرأ بالمرسلات فما صلى لنا بعدها حتى لقي الله ، أرادت فما صلى بعدها بالناس .
وروى البيهقي من طريقين ، قال ابن كثير : وإسناده على شرط الصحيح عن أنس - رضي الله تعالى عنه- قال : آخر صلاة صلاها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مع القوم في ثوب واحد برد مخالفا بين طرفيه فلما أراد أن يقوم قال : ادع لي أسامة بن زيد فجاء فأسند ظهره إلى نحره فكانت آخر صلاة صلاها .
قال البيهقي : ففي هذا دلالة أن هذه الصلاة كانت صلاة الصبح من يوم الاثنين يوم الوفاة ; لأنها آخر صلاة صلاها لما ثبت أنه توفي ضحى يوم الاثنين . وهذا الذي قاله البيهقي أخذه مسلما من " مغازي موسى بن عقبة " فإنه كذلك ذكر . وكذا روى أبو الأسود ، عن عروة ، وذلك ضعيف ، بل هذه آخر صلاة صلاها مع القوم ، كما تقدم تقييده في الرواية الأخرى ، والحديث واحد فيحمل مطلقه على مقيده ، ثم لا يجوز أن تكون هذه صلاة الصبح من يوم الاثنين يوم الوفاة ، لأن تلك لم يصلها مع الجماعة ، بل في بيته لما به من الضعف ، صلوات الله وسلامه عليه .
والدليل على ذلك ما قال البخاري ، رحمه الله ، في " صحيحه " : حدثنا أبو اليمان ، أنبأنا شعيب ، عن الزهري ، أخبرني أنس بن مالك ، وكان تبع النبي صلى الله عليه وسلم وخدمه وصحبه ، . وقد رواه مسلم من حديث سفيان بن عيينة وصالح بن كيسان ومعمر ، عن الزهري ، عن أنس . أن أبا بكر كان يصلي لهم في وجع النبي صلى الله عليه وسلم الذي توفي فيه ، حتى إذا كان يوم الاثنين وهم صفوف في الصلاة فكشف النبي صلى الله عليه وسلم ستر الحجرة ينظر إلينا وهو قائم كأن وجهه ورقة مصحف ، تبسم يضحك ، فهممنا أن نفتتن من الفرح برؤية النبي صلى الله عليه وسلم ، فنكص أبو بكر على عقبيه ليصل الصف ، وظن أن النبي صلى الله عليه وسلم خارج إلى الصلاة ، فأشار إلينا صلى الله عليه وسلم أن أتموا صلاتكم ، وأرخى الستر ، فتوفي من يومه صلى الله عليه وسلم
ثم قال البخاري : ثنا أبو معمر ، ثنا عبد الوارث ، ثنا عبد العزيز ، عن أنس بن مالك قال : . ورواه مسلم من حديث عبد الصمد بن عبد الوارث ، عن أبيه به . فهذا أوضح دليل على أنه ، عليه الصلاة والسلام ، لم يصل يوم الاثنين صلاة الصبح مع الناس ، وأنه كان قد انقطع عنهم ; لم يخرج إليهم ثلاثا . لم يخرج النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثا ، فأقيمت الصلاة ، فذهب أبو بكر يتقدم ، فقال نبي الله : " عليكم بالحجاب " فرفعه فلما وضح وجه النبي صلى الله عليه وسلم ما نظرنا منظرا كان أعجب إلينا من وجه النبي صلى الله عليه وسلم حين وضح لنا ، فأومأ النبي صلى الله عليه وسلم بيده إلى أبي بكر أن يتقدم ، وأرخى النبي صلى الله عليه وسلم الحجاب ، فلم يقدر عليه حتى مات صلى الله عليه وسلم
قلنا فعلى هذا يكون آخر صلاة صلاها معهم الظهر ، كما جاء مصرحا به في حديث عائشة المتقدم ، ويكون ذلك يوم الخميس لا يوم السبت ، ولا يوم الأحد كما حكاه البيهقي عن " مغازي موسى بن عقبة " ، وهو ضعيف ; لما قدمنا من خطبته بعدها ، ولأنه انقطع عنهم يوم الجمعة ، والسبت ، والأحد ، وهذه ثلاثة أيام كوامل .