1846 - مسألة : ومن فلها نصف الصداق الذي سمي لها - وكذلك لو طلق قبل أن يدخل بها - طال مقامه معها أو لم يطل - هذا في كل مهر كان بصفة غير معين ، كعدد ، أو وزن ، أو كيل ، أو شيء موصوف ، أو في مكان بعينه إن وجد صحيحا ، وسواء كان تزوجها بصداق مسمى في نفس العقد أو تراضيا عليه بعد ذلك أو لم يتراضيا ، فقضي لها بمهر مثلها . دخل بها ولم يطأها
برهان ذلك - : قول الله عز وجل : { وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم } الآية .
وفيما ذكرنا اختلاف قديم وحديث في دخوله بها ولم يطأها ، وفي ضياع المهر ، وفي الفرق بين كون الصداق مفروضا في العقد وبين تراضيهما عليه بعد العقد ، أو الحكم لها به عليه والتسوية بين ذلك كله .
فأما الاختلاف في الفرق بين كون الصداق مفروضا في العقد ، وبين تراضيهما بعد العقد ، أو الحكم لها به عليه [ ص: 74 ] فإن وأصحابه قالوا : إنما يقضى لها بنصف الصداق إذا كان الصداق مفروضا لها في نفس العقد - وأما إن تراضيا عليه بعد ذلك ، أو اختلفا فيه فحكم عليه بمهر مثلها فهاهنا إن طلقها قبل الدخول فلا شيء لها إلا المتعة . أبا حنيفة
وقال مالك ، والشافعي ، وأصحابهم : لها النصف في كل ذلك . وأبو سليمان
قال : وبهذا نأخذ ; لأن قول الله تعالى : { أبو محمد فنصف ما فرضتم } عموم لكل صداق في نكاح صحيح فرضه الناكح في العقد أو بعده ، ولم يقل عز وجل : فنصف ما فرضتم في نفس العقد - والزائد لهذا الحكم مخطئ مبطل متعد لحدود الله تعالى .
وأما الذي فرض عليه الحاكم صداق مثلها ، فإنه وإن كان قد أبى من الواجب عليه في ذلك فحكم الله تعالى عليه بقوله الصادق : { وآتوا النساء صدقاتهن نحلة } موجب عليه أن يفرض لها أحد وجهين ، لا بد له من أحدهما ضرورة : إما ما رضيت ، وإما مهر مثلها ، فأيهما لزمه برضاه أو بحكم حق فقد فرضه لها ، إذ عقد نكاحها يقينا في علم الله عز وجل ، وقد وجب لها في ماله - وما نعلم لمن خالف هذا حجة أصلا .
ونحن نشهد بشهادة الله تعالى : أن الله تعالى لو أراد بقوله : { فنصف ما فرضتم } في نفس العقد خاصة لبينه لنا ولم يهمله حتى يبينه لنا ، وما هنالك . أبو حنيفة
فإذا لا شك في هذا فقد أيقنا أن الله تعالى أراد بكل حال .
وأما من دخل بزوجته ولم يطأها - طال - مقامه معها أو لم يطل - فإن الناس قد اختلفوا فيه - : فروينا من طريق أبي عبيد نا عن إسماعيل بن إبراهيم عن عوف بن أبي جميلة زرارة بن أوفى قال : قضى الخلفاء الراشدون المهديون : أنه إذا أغلق الباب ، وأرخى الستر : فقد وجب الصداق .
ومن طريق عن وكيع موسى بن عبيدة عن قال : كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون : إذا أرخى الستر ، أو أغلق الباب : فقد وجب الصداق . نافع بن جبير
[ ص: 75 ] ومن طريق عن عبد الرزاق عن يحيى بن أبي كثير سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن قال : قال أبي هريرة : إذا أرخيت الستر وغلقت الأبواب فقد وجب الصداق - وهذا صحيح عن عمر بن الخطاب . عمر
ومن طريق أبي عبيد نا - عن يزيد - هو ابن هارون سعيد بن أبي عروبة عن عن قتادة الحسن عن عن الأحنف بن قيس ، عمر بن الخطاب - رضي الله عنهما - قالا جميعا : إذا أرخيت الستور : فقد وجب الصداق . وعلي بن أبي طالب
ومن طريق أبي عبيد نا سعيد بن عبد الرحمن الجمحي عن عن عبيد الله بن عمر عن نافع قال : إذا أغلق الباب وأرخي الستر : فقد وجب الصداق . ابن عمر
ومن طريق أبي عبيد نا عن عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري أن سليمان بن يسار الحارث بن الحكم تزوج امرأة فقال عندها ، ثم راح وفارقها ، فأرسل مروان إلى فقص عليه القصة فقال زيد بن ثابت : لها الصداق ، فقال زيد مروان : إنه ممن لا يتهم ، فقال : أرأيت لو حملت أكنت ترجمها ؟ قال : لا ، فقال زيد بن ثابت : بلى . زيد
قال أبو عبيد : وحدثناه أبو النضر عن عن الليث بن سعد عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن سليمان بن يسار مثله - وفي آخره : فلذلك تصدق المرأة في مثل هذا . زيد بن ثابت
ومن طريق عن عبد الرزاق عن ابن جريج عن عبد الكريم مثل قول ابن مسعود ، علي . وعمر
ومن طريق عن حماد بن سلمة عن الحجاج بن أرطاة الركين بن الربيع عن : أن حنظلة قضى في امرأة عنين فرق بينهما بجميع الصداق . المغيرة بن شعبة
ومن طريق وعن رجال من أهل العلم : أن ابن وهب قال في التي دخل بها زوجها ولم يطأها : إن الصداق لها وعليها العدة ، ولا رجعة له عليها . [ ص: 76 ] وهو قول أنس بن مالك ، وروي عن علي بن الحسين . سعيد بن المسيب
وصح عن ، وعن سليمان بن يسار قضى به في عنين . عروة بن الزبير
وعن وزاد : وإن كانت حائضا . عبد الكريم
وعن مثل قول عطاء - وهو قول عبد الكريم ، ابن أبي ليلى والأوزاعي ، ، إلا أن تكون " رتقاء " فلا يجب لها إلا نصف الصداق . وسفيان الثوري
وصح أيضا عن - وهو قول الليث بن سعد الزهري ، ، وأحمد وإسحاق .
وروينا عن قولا آخر : رويناه من طريق عمر عن عبد الرزاق عن معمر : أن يحيى بن أبي كثير قضى في رجل اختلى بامرأة ولم يخالطها بالصداق كاملا ، يقول : إذا خلا بها ولم يغلق بابا ولا أرخى سترا . عمر بن الخطاب
وعن قول آخر : رويناه من طريق إبراهيم النخعي عن وكيع عن سفيان الثوري المغيرة قال : قال : كان يقال : إذا رأى منها ما يحرم على غيره فلها الصداق . إبراهيم النخعي
وقال : إذا خلا بها في بيتها - وطئ أو لم يطأ - فالمهر كله لها إلا أن يكون أحدهما محرما ، أو أحدهما مريضا ، أو كانت هي حائضا ، أو صائمة في رمضان ، فليس لها في كل ذلك إلا نصف المهر - فلو خلا بها وهو صائم صيام فرض في ظهار ، أو نذر ، أو قضاء رمضان ، فعليه الصداق كله ، وعليها العدة ، فلو خلا بها في صحراء ، أو في مسجد ، أو في سطح لا حجرة عليه ، فليس لها إلا نصف الصداق . أبو حنيفة
قال : هذه أقوال لم تأت قط عن أحد من السلف ، ولا جاء بها قرآن ، ولا سنة ، ولا قياس ، ولا رأي سديد . أبو محمد
وقال : إذا خلا بها فقبلها أو كشفها ثم طلقها واتفقا على أنه لم يطأها ، فإن كان ذلك قريبا فليس لها إلا نصف الصداق ، فإن تطاول ذلك حتى أخلق ثيابها ، فلها المهر كله . مالك
قال : وهذا قول لا يحفظ عن أحد قبله ، وليت شعري كم حد هذا التطاول الناقل عن حكم القرآن ، وما حد الإخلاق لهذه الثياب . أبو محمد
[ ص: 77 ] وهاهنا قول آخر كما رويناه من طريق عن وكيع عن الحسن بن صالح بن حي فراس عن عامر الشعبي عن قال : لها النصف وإن جلس بين رجليها . ابن مسعود
ومن طريق ثنا سعيد بن منصور نا هشيم - عن ليث - هو ابن أبي سليم عن طاوس أنه كان يقول في رجل دخلت عليه امرأته ثم طلقها ، فزعم أنه لم يمسها : عليه نصف الصداق . ابن عباس
ومن طريق عن عبد الرزاق أخبرني ابن جريج عن ليث عن طاوس قال : لا يجب الصداق وافيا حتى يجامعها ولها نصفه . ابن عباس
ومن طريق أبي عبيد نا أنا هشيم المغيرة بن مقسم عن الشعبي عن قال : لم أسمع الله عز وجل ذكر في كتابه بابا ولا سترا إذا زعم أن لم يمسها فلها نصف الصداق . شريح
ومن طريق نا سعيد بن منصور عن إسماعيل بن أبي خالد الشعبي : أن عمرو بن نافع طلق امرأته وكانت قد أدخلت عليه ، فزعم أنه لم يقربها ، وزعمت أنه قربها ، فخاصمته إلى ، فقضى شريح بيمين شريح عمرو " بالله الذي لا إله إلا هو ما قربتها " وقضى عليه لها بنصف الصداق .
قال : كانت هذه المطلقة بنت أبو محمد يحيى بن الجزار .
ومن طريق أبي عبيد نا معاذ - هو معاذ العنبري - عن عن عبد الله بن عون أنه كان لا يرى إغلاق الباب ولا إرخاء الستر شيئا . ومن طريق محمد بن سيرين عن وكيع زكريا - هو ابن أبي زائدة - عن الشعبي أنه قال : لها نصف الصداق - يعني التي دخل بها - ولم يقل : أنه مسها .
ومن طريق عن عبد الرزاق عن ابن جريج عن أبيه قال : لا يجب الصداق وافيا حتى يجامعها ، إن أغلق عليها الباب ، قلت له : فإذا وجب الصداق وجبت العدة ، قال : أو يقول أحد غير ذلك ؟ ابن طاوس
ومن طريق عن حماد بن سلمة عن محمد بن إسحاق قال : لا يجب الصداق والعدة إلا بالملامسة البينة : تزوج رجل جارية فأراد سفرا فأتاها في بيتها مخلية ليس عندها أحد من أهله ، فأخذها فعالجها ، فمنعت نفسها ، فصب الماء ولم يفترعها ، [ ص: 78 ] فساغ الماء فيها ، فاستمر بها الحمل ، فثقلت بغلام ، فرفع ذلك إلى مكحول ، فبعث إلى زوجها فسأله ؟ فصدقها ، فعند ذلك قال عمر بن الخطاب : من أغلق الباب أو أرخى الستر فقد وجب الصداق ، وكملت العدة . عمر
قال : وهو قول أبو محمد ، الشافعي ، وأبي ثور ، وأصحابهم . وأبي سليمان
قال : أما قول أبو محمد ، أبي حنيفة : فمخالفان لكل من ذكرنا من الصحابة ، ولا نعلم لهما حجة أصلا ولا سلفا في قولهما ، فلم يبق إلا قول من قال : إن أغلق بابا ، أو أرخى سترا فقد وجب الصداق فوجدنا من ذهب إلى هذا القول يحتجون بقول الله تعالى : { ومالك وآتوا النساء صدقاتهن نحلة } .
قالوا : فالصداق كله واجب لها إلا أن يمنع منه إجماع .
وكما روينا من طريق نا البخاري نا عمرو بن زرارة - عن إسماعيل - هو ابن علية عن أيوب السختياني : أن سعيد بن جبير قال له : { ابن عمر بني العجلان } ، وذكر الحديث ، قال فرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أخوي أيوب : فقال لي عمرو بن دينار : إن في الحديث شيئا لا أراك تحدثه ؟ قال : قال الرجل : مالي ؟ قال : قيل : لا مال لك إن كنت صادقا فقد دخلت بها .
قال : لا حجة في هذا لأن أبو محمد عمرو بن دينار لم يذكر من أخبره بهذا ، فحصل مرسلا ، ولا حجة في مرسل .
وأيضا : فإنما فيه قال : قيل : وليس فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك - فسقط من كل وجه - وقد أسنده عمرو بن دينار ولم يذكر فيه هذا اللفظ لكن كما نا حمام بن أحمد نا عباس بن أصبغ نا محمد بن عبد الملك بن أيمن نا نا محمد بن إسماعيل الترمذي الحميدي نا نا سفيان بن عيينة عمرو بن دينار قال : سمعت يقول : سمعت سعيد بن جبير يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول { ابن عمر } وذكر الحديث . للمتلاعنين حسابكما على الله ، أحدكما كاذب ، فقال : يا رسول الله مالي مالي ، قال : لا مال لك ، إن كنت صادقا عليها فهو بما استحللت من فرجها
قالوا : فالدخول بها استحلال لفرجها ؟ قال : هذا تمويه ، بل حين العقد للنكاح يصح استحلاله لفرجها فلولا [ ص: 79 ] نص القرآن بأنه إن لم يمسها حتى طلقها فنصف الصداق فقط لكان الكل لها ، كما هو لها إن مات أو ماتت ، فوجب الوقوف عند ذلك . أبو محمد
وهكذا القول في قوله تعالى : { وآتوا النساء صدقاتهن نحلة } أن هذه الآية الأخرى خصتها ، فلم يوجب الطلاق قبل المس إلا نصف الصداق .
وشغبوا أيضا بخبر ساقط رويناه من طريق أبي عبيد نا أبو معاوية عن والقاسم بن مالك جميل بن يزيد الطائي عن زيد بن كعب الأنصاري قال { بني غفار فلما دخل عليها رأى بكشحها بياضا فقال : البسي عليك ثيابك والحقي بأهلك } . تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من
زاد في روايته : وأمر لها بالصداق كاملا . القاسم بن مالك
قال : أبو محمد جميل بن زيد ساقط متروك الحديث غير ثقة - ثم لو صح لم يكن لهم فيه حجة ، لأنه لم يقل عليه الصلاة والسلام أنه لها واجب ، بل هو تفضل منه ، كما قال عز وجل { إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح } كما لو تفضلت هي فأسقطت عنه جميع حقها لأحسنت .
وموهوا أيضا بخبر آخر ساقط : رويناه أيضا من طريق أبي عبيد نا سعيد بن أبي مريم ، وعبد الغفار بن داود ، قال سعيد : عن يحيى بن أيوب وقال عبد الغفار : عن ، ثم اتفق ابن لهيعة يحيى بن أيوب ، ، كلاهما عن وابن لهيعة عبيد الله بن أبي جعفر عن [ ص: 80 ] عن صفوان بن سليم عن عبد الله بن يزيد محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { } . من كشف امرأة فنظر إلى عورتها فقد وجب الصداق
وهذا لا حجة فيه لوجوه - :
أولها - أنه مرسل ولا حجة في مرسل .
والثاني - أنه من طريق يحيى بن أيوب ، وهما ضعيفان . وابن لهيعة
والثالث - أنه ليس فيه للدخول ذكر ولا أثر ، وإنما فيه كشفها والنظر إلى عورتها ، وقد يفعل هذا بغير مدخول بها ، وقد لا يفعله في مدخول بها فهو مخالف لقول جميعهم .
ثم ليس فيه أيضا : بيان أنه في المتزوجة فقط ، بل ظاهره عموم في كل زوجة وغيرها ، فبطل أن يكون لهم متعلق جملة .
وأما من تعلق بأنها لو حملت لحق الولد ولم تحد فلا حجة لهم في هذا ; لأنه لم يدخل بها أصلا ، ولا عرف أنه خلا بها ، لكن كان اجتماعه بها سرا ممكنا ، فحملت ، فالولد لاحق ، ولا حد في ذلك أصلا لأنها فراش له حلالا مذ يقع العقد ، لا معنى للدخول في ذلك أصلا ، وقد تحمل من غير إيلاج ، لكن بتشفير بين الشفرين فقط - وكل هذا لا يسمى مسا .
فإن تعلقوا بمن جاء ذلك عنه من الصحابة - رضي الله عنهم - فلا حجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وقد اختلفوا كما ذكرنا فوجب الرد عند التنازع إلى القرآن والسنة ، فوجدنا القرآن لم يوجب لها بعدم الوطء إلا نصف الصداق .
وبالله تعالى التوفيق .